البرينالى.. حركة لا تتوقف
لا يتخيل الكثيرون أن هناك من يستيقظون فى السادسة صباحا لمشاهدة أفلام سينمائية، والاصطفاف فى طوابير طويلة، من أجل الحصول على متعة السينما والتعرف على ثقافات مختلفة، هذا هو حال برلين وتحديدا تلك البقعة التى يقع فيها قصر المهرجان، والسينمات التى تجاوره، حركة لا تتوقف طوابير طويلة وممتدة لمن سيدخلون العرض، أو أولئك الذين يقفون تحت لافتة الانتظار، كل شىء يسير بدقة وفِى موعده تماما، حتى حركة التفتيش المستمر للحقائب تسير بآلية، لا أحد يعترض طريق الآخر والكل يحترم أن هناك اتجاها للخروج وآخر للدخول حتى على نفس السلم، الدقة تجبر الجميع من كل الثقافات على الالتزام - وبما أن هذه هى المرة الأولى التى أقوم فيها بتغطية فعاليات مهرجان برلين السينمائى فمن الطبيعى أن تأخذ عينى هذه التفاصيل - يملك مهرجان برلين حميمية لا يعرفها مهرجان "كان" مثلا، رغم أنه واحد من أهم 3 مهرجانات على مستوى العالم، إلا أنه فى ظنى برلين يشبه ملامح الألمان تلك الملامح الحادة والصارمة، إلا أنها تحمل أيضا ودّا لا يخفى ولا يمكن تجاهله، حيث تجد هناك شغفا كبيرا بمعرفة الآخر القادم ‘لى مدينته لأجل مهرجانها الكبير، وقد تكون تلك الحميمية ، هى أكثر ما يعوض برودة الجو ودرجات الحرارة المنخفضة.
صور لجنة التحكيم تزين دور العرض
طوابير وزحام علي العروض
يلفت نظر كل من يدخل إلى قصر المهرجان "البرينالى" كما يروق للألمان أن يطلقوا عليه، الجدران المقابلة لسلم المدخل والتى تمتلأ بصور لجان التحكيم، السابقة وبالطبع لجنة التحكيم الدورة الحالية وجميع الصور موقع عليها من كل عضو من أعضاء اللجنة باسمه.
أن ترى الآخر
أعتقد أن تلك أكبر ميزة للفن، وهو أن ترى الآخر وتتواصل معه.. فما بالك بالسينما التى تنقلك إلى عوالم مختلفة، وتناقش كل القضايا المطروحة سياسيا واجتماعيا.. فى الفيلم المجرىon body and sou نرى قضية شديدة الإنسانية وتحمل فى نفس الوقت تساؤلات فلسفية، حول الروح والجسد، وهل إذا تحقق الالتقاء الجسدى يأخذ من الروح؟ وكيف لإنسان أن يجد توأم روحه؟.. الفيلم يحمل الكثير من الدلالات على مستوى السرد السينمائى والبصرى، فالحس الجمالى فى تكوين وتشكيل الكادرات، وتوزيع الإضاءة ما بين الظلال والنور شديد التميز، كذلك زوايا التصوير والانتقال ما بين الزوايا الواسعة أو الضيقة حسب تطور الأحداث دراميا، والحالة النفسية للأبطال احداث الفيلم تبدأ..
بمشهد افتتاحى لغابة يكسوها الجليد، وهناك غزالة شديدة الجمال تتمهل الكاميرا فى نقل ورسم تفاصيل جسدها الرشيق، وعينيها شديدة الجاذبية ووعل يبدو أنه يحوم حولها، كمن يبحث عن صحبة تجمعه بها، وكيف يقترب منها برقة، ويحاول أن يتلمسها، وهما يشربان من نفس المجرى المائى، هذا المشهد الافتتاحى الملىء بتفاصيل جمالية كثيرة، تأخذ عين المشاهد، فجأة ومن خلال قطع حاد ينقلك المخرج لمجموعة من البقر.. والتى تساق إلى المذبح، هذا التناقض يجعل المتفرج دائما فى حالة سؤال ماذا بعد؟ لنكتشف أن أحداث الفيلم تدور فى مجزر آلى، نتابع فى اللقطات الأولى كيف يسير العمل داخل المكان، شكل العلاقات، صاحب المذبح وهو رجل يملك ملامح حادة ولكن عينيه شديدة الطيبة - تماما مثل الوعل - وهو يملك إعاقة فى يده بسبب إصابة عمل حيث بات لا يستطيع تحريكها، وفِى لقطات متمهلة يقف صاحب العمل أو المشرف على المكان فى النافذة وينظر باتجاه العاملين فى وقت الاستراحة، ليجد أن هناك امرأة شديدة الجاذبية تقف بمفردها، (من أجمل مشاهد الفيلم إخراجيا من حيث التكوين والتشكيل البصرى وكيف لمحها من قدمها إلى أن التقت عينيهما)، ويسأل عنها ويعرف أنها مسئولة الجودة، والتى جاءت لتشرف على المكان.
ويرصد المخرج آلية العمل داخل المكان تفاصيل وعلاقات العاملين فى لقطات سريعة أثناء العمل، وأوقات الاستراحة وتناول الطعام، ومع انتهاء العمل نعرف كم تعانى البطلة ماريكا من الوحدة الشديدة والانعزال، فهى تماما مثل حالتها فى العمل لا تتعامل مع أحد تخشى كل من يقترب منها، نظرة الحيطة والحذر لا تفارق عينيها، طريقة مشيتها، ملابسها المحافظة، طريقة جلوسها لمائدة الطعام، كيف تلعب بملاحة الطعام، والأخرى المليئة بالفلفل، الملح الرجل المسئول عن المكان والفلفل هى عندما اقترب منها ليتعرف عليها، إلا أنها تركته فى ارتباك شديد، لينتهى يوم العمل وعندما يذهب كل منهما الى فراشه نجد مشهد الغزالة والوعل بتفاصيل أخرى.
صور لجنة التحكيم تزين دور العرض
تتطور الأحداث مع تعرض أحد العاملين فى المذبح لاعتداء، لا يعرف أحد من المسئول عنه، وتأتى الشرطة، ويتم تخصيص طبيبة نفسية، تأتى لتعاين كل العاملين لتحديد الأشخاص أصحاب الميول العنيفة، وتبدأ فى لقاء العاملين ومنهم مسئول المكان والذى تسأله عن آخر أحلامه فيروى لها مشهد الوعل والغزالة والذى بدء فيه الفيلم ويتكرر، بعد انتهاء يوم العمل بتفاصيله، وتدخل ماريكا لتسألها نفس السؤال لتجيب بنفس الإجابة والتفاصيل وللحظة تعتقد الطبيبة أن الاثنين فعلا ذلك بقصد السخرية منها، فتستدعى صاحب العمل فى وجود ماريكا وتجعله يروى حلمه من جديد.. وتكون تلك هى نقطة تحول الأحداث فى علاقة الاثنين والذى يعانى كل منهما من العزلة هى لتركيبتها الشخصية وخوفها الدائم من الآخر وهو بقراره بالعزلة الاختيارية، فيلم on body and soul من الأفلام المهمة والتى تستحق التوقف عندها ضمن عروض برلين، والتى لا تزال فى بداياتها، خصوصا أن نهاية الأحداث تكون بتوقف الحلم .
On Body and Soul للمخرجة للديكو إينيديى والنجمة ريكا تينكى والنجم إيرفين ناجى والفنان جيزا مورسانى والنجمة أليكساندرا بوربلى.
المخرجة للديكو إينيدي
المخرجة للديكو إينيدي
أليكساندرا بوربلي
جيزا مورساني
ريكا تينكي
صناع الفيلم On Body and Soul
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة