عمر عبد الله يكتب: كذبة النظرة الأولى

الجمعة، 10 فبراير 2017 04:00 م
 عمر عبد الله يكتب: كذبة النظرة الأولى صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن الاندفاع فى إطلاق الأحكام على الآخرين من خلال نظرتنا السطحية الفارغة من الأدلة يعد جريمة لا تغتفر، وذنب لا عذر له، إذ قد يبنى عليها اتهامات لا حقيقة لها وظنون بعيدة كل البعد عن الواقع. فإنك قد تنشر رأيك فى إنسان فيتلقاه منك آخرون ثم به يتعاملون معه بناء على حكمك الذى حكمت أنت عليه به.

 إن النظرة الأولى دائما ما تكون كاذبة إذ يملؤها العاطفة والمشاعر فالإنسان اجتماعى ويحب الاقتراب من الآخرين، لذا فإنك أن قابلت أحدهم للمرة الأولى كان قلبك وعاطفتك تجاهه هى الأقرب وكان عقلك حينها غائباً فى ذلك المشهد، فكم من أناس حكموا على آخرين بتسرع وعدم روية وبعد أن اقتربوا منهم لم يجدوا أى أساس لهذه الأحكام وتبين لهم أنها لم تكن منهم إلا عدم فراسة ونظرة للأمر سطحية.

 فليس من الحكمة أن تختلق انطباعات وهمية عن غيرك لمجرد نظرة أو كلمة أو موقف لا يعطيك البراهين الكافية للحكم عليه، فإذا كنت حتما ولا بد فاعلا فليس أمامك حينئذ إلا ثلاث خيارات الأول إما أن تسافر معه والثانى أن تتاجر معه والثالث أن تساكنه حينها ستنجلى لك أخلاقه الحقيقة غير المزيفة، وستدرك كيف يفكر وما هى معتقداته ومبادئه ؟ أما أن يكون اعتمادك على النظرة الأولى أو اللقاء الأول فى رأيك الذى تبنيه تجاه الآخرين ومن ثم تذهب به كل مذهب بل وتسعى لنشره على الجميع فذاك اكبر إجحاف يمكن أن توقعه على إنسان.

 وعليه فإن التسرع فى نقد الناس دون التحرى أو الاستعلام قد نهى عنه المسلمون منذ زمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )ولقد جاء فى سياق آخر فى القرآن أيضا أنه لما جاء الهدهد إلى سيدنا سليمان وحدَّثه عن قومٍ يعبدون الشمس من دون الله، ماذا قال له سليمان الحكيم عليه أتم الصلاة والتسليم ؟﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾

وحينما أردت أن أحقق ماهية تلك الصورة وعلى أى شىء قامت وبأى ريشه رسمت؛ رأيت أن كثيراً من البشر يجدون الراحة فى نقد الآخرين والمتعة حينما تظهر لهم عيوب المحيطين؛ لذا يحاول البعض إخراج العيوب إخراجاً من باطنها بل ويقومون بلصق التهم وإلحاق النقص لأناس لا جريرة لهم على الإطلاق، ولكن السؤال هنا ما هو سر ومغزى تلك الراحة فى النفوس ولماذا تسعد على حساب نقص الغير وإظهار عيوبهم؟ والجواب يكمن فى أن المرء لا يحب أن يرى نقصه أو عيبه فيسعى إلى أن يبحث عن عيوب غيره حتى يشعر انه ليس هو فقط صاحب العيوب، ثم يحاول إقناع عقله أنه لو كان يملك عيباً واحداً فإن غيره يمتلك المئات.

 ومن هنا كان حب الإنسان فى أن يعيب الغير وأن يطلق عليهم الأوصاف حتى بلغ بالبعض ألا يتورع فى الوصف ولو بالباطل والبهتان وألا يتأنى فى النعت ولو كانت بالنظرة الأولى.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة