لم أكن من أولئك الذين فاجأهم ما يسمى بقانون "تسوية المستوطنات"، والأصح تسميته قانون "تشريع سلب أراضى الفلسطينيين".
الحقيقة أن مشروع الاستيطان هو بحد ذاته مشروع ممنهج لسلب أراضى الفلسطينيين من العام ١٩٦٧، بل أنه يُعَد من أكبر عمليات السطو وسلب الأراضى فى التاريخ الحديث. وقانون شرعنة الاستيطان هو استمرار لنهج وليس بداية لنهج جديد.
قبل عدة أسابيع حَذّر نتنياهو رئيس وزراء أكثر الحكومات تطرفا فى تاريخ إسرائيل من أن هذا القانون سيؤدى إلى ملاحقة ضد مسؤولين إسرائيليين فى محكمة الجنايات الدولية فى لاهاي وفجأة، ولأسباب عدة انقلب على ذاته، وأيد القانون هو وحزبه الليكود. ما هى تلك الأسباب؟
أولها التنافس الداخلى بين أحزاب الائتلاف اليمينى، وتحديدا بين الليكود والبيت اليهودي، وتحديدا أكثر بين بنيامين نتنياهو من جهة، ونفتالى بينت من جهة أخرى، والسبب الثانى أنهم يعتقدون بأن تغيير النظام فى أمريكيا وانتخاب ترامب رئيسا غيّر قواعد اللعبة، وشكل ضوءا أخضر بالنسبة لهم ليعيثوا فسادا أكثرًا وعنجهية فى الأراضي المحتلة. إنه سطو فى وضح النهار، ونحن أمام قانون يقول: نحن حكومة إسرائيل نعرف أننا سرقنا أراضى الفلسطينيين، وأقمنا عليها وحدات سكنية وبيوتا فى السنوات الأخيرة، ونعرف أن هذه الأراضى لها أصحاب وأوراق ثبوتية وملكية خاصة، وبالرغم من ذلك فنحن نسن قانونا يحمى عملية السطو ويحمى السارقين ويشرعن ذلك.
إن شرعنة عمليات السطو لا تعنى إضفاء الشرعية على الاستيطان والمستوطنات بل إنها على عكس ذلك تسلط الأضواء على أن هناك دولة تخرق القانون الدولى بشكل فظ، وتعرف أنها تفعل ذلك ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، وقرارات مجلس الأمن، مستندة فقط على دعم مفترض من الإدارة الأمريكية التى لم تخيب حتى الآن ظن حكومة إسرائيل.
أمام هذا، شاهدنا جميعا كيف تقوم نفس الحكومة ونفس الشرطة بتعامل آخر تهجمى فظ عدواني تجاه المواطنين العرب وبيوتهم فى قلنسوة، وأم الحيران، وغيرهما من البلدات العربية، قانون يهدم للعرب الذين يبنون على أرضهم الخاصة، وقانون يحمى المستوطنين اليهود الذين يسرقون أراضى الغير، وشرطة للعرب تطلق النار وتقتل وشرطة أخرى لليهود تصل لمستوطنة عمونا بلا سلاح وبلا عصى، بالرغم من الاعتداء على أفراد الشرطة من قبل المستوطنين. هذا ما نقوله ونردده دائمًا: إسرائيل دولة ديموقراطية تجاه اليهود ويهودية تجاه العرب".
لقد أدى هذا القانون إلى صدور ردود فعل واضحة من دول عديدة، لكن الصمت الآتى من واشنطن يصم الآذان، ولا أعرف إذا كان نتنياهو قد تغيب عن قصد عن عملية التصويت بادعاء أن طائرته لم تصل من لندن أم أنه فعلا تعذر عليه الوصول. بكل الحالات هذه القوانين هى مادة مناسبة وأرضية خصبة لمحكمة الجنايات الدولية فى لاهاى لأنها جريمة حرب طبقا للقانون الدولى.
باعتقادى أن الخبر الذي سُرّب بأن المستشار القضائى للحكومة أفيخاي مندلبلط سوف يعترض على دستورية هذا القانون أمام قضاة المحكمة العليا، مما سيزيد من احتمال إلغاء هذا القانون من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية، وهذا هو المكان لنقدم كلمة طيبة لأهالى هذه الأراضى فى سلواد والطيبة وكل المحامين والجمعيات الذين يقفون إلى جانبهم، وخاصة من اليهود التقدميين، وتحديدا نظرا لصمودهم ورفضهم لكل العروض المالية التى قدمت لهم من قبل الاحتلال.
إن هذا القانون هو جزء من سلسة قوانين شنها الكنيست كى تسرى على أراضى الصفة الغربية المحتلة، مما يشكل ضما زاحفا ومنهجيا لأراضى الضفة الغربية لإسرائيل، وبالتالى عملية قتل ممنهجة لفكرة حل الدولتين.
بنيامين نتنياهو أشبه ما يكون بـ "بق الخصوة" عندما قال انه مستعد لاعطاء الفلسطينيين دولة فلسطينية ناقصة مع سيطرة امنية اسرائيلية كاملة على هذه الدولة. ، ونقول له: ليس من أجل ذلك قاوم وناضل الشعب الفلسطينى، وقدم آلاف الشهداء والأسرى من أجل الحرية والاستقلال والسيادة. وأمام رئيس وزراء إسرائيل خياران: خيار الدولتين، أو خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية، ودائما عندما تطرح خيارين على نتنياهو فهو يختار أوتوماتيكيا الحل الثالث غير المطروح على الطاولة وهو الوضع الراهن، أى إبقاء الوضع على ما هو عليه، لأن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية هو عمليا احتلال غير مكلف.
نحن ندعم حل الدولتين الذى يستند إلى انسحاب كامل من الأراضى التى احتلت عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشريف، وليس أقل من ذلك. ولكننا لا نخاف من خيار الدولة الواحدة بشرط أن تكون دولة ديموقراطية يحصل فيها كل شخص على حق التصويت بشكل متساوٍ.
نحن أمام فترة عصيبة يحاول فيها نتنياهو، البطة العرجاء، بسبب التحقيقات الجادة والخطيرة ضده، أن يجارى أكثر المتطرفين جنونا فى الشارع الإسرائيلى بل أنه بنفسه يقود هذا الجنون.
المقاومة الشعبية السلمية الشاملة هى أداة سلمية وشرعية لم تجرب بعد بشكل منهجى ومدروس فى كافة الأراضى الفلسطينية، وهى أداة يقبلها المجتمع الدولى إلى جانب تصعيد مقاطعة الاحتلال والاستيطان.
العالم العربي ايضا، وخاصة الدول التي تربطها علاقات طيبة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، مطالبة بإسناد الموقف الفلسطينى الذى يتعرض للجفاء والتشويه من قبل مسؤولين جدد في هذه الإدارة، ولكن المعركة ليست خاسرة بالرغم من صعوبتها، فما زالت كثير من الأوراق مثل المقاومة الشعبية السلمية والمقاطعة والمنظمات الدولية بيد الشعب الفلسطيني وقيادته، ويجب استغلال ذلك وخاصة أن هناك شرائح واسعة فى المجتمع الإسرائيلي وأوروبا زُكمت أنوفها من الرائحة النتنة التى تصدر من السياسة التى يقودها نتنياهو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة