كشفت للشعب الوجه الحقيقى للإخوان والسلفيين كجماعات تخلط الدين بالسياسة
ماذا تبقى من «25 يناير»؟.. توجد إجابات مختلفة وكلها متصارعة، ربما لأن كلا منها يستند إلى سردية أو تفسير مختلف لما جرى فى مصر من 25 يناير وحتى 11 فبراير 2011، عندما جرى عزل مبارك، وأغلب السرديات تتعرض للفترة من 25 يناير وحتى 30 يونيو، مرورا بمحطات عديدة، منها الاستفتاء الغريب على تعديل مواد دستور 1971، ثم الانتخابات البرلمانية، فانتخابات الرئاسة التى جاءت بمحمد مرسى.
السرديات عديدة والمحطات كثيرة وبعضها ينسب لـ«25 يناير» على نحو غير صحيح، مثل السنة التى حكم فيها الإخوان، رغم أن الثورة بريئة منها تماما، السردية الأولى أن «25 يناير» مؤامرة أو فوضى، وأحيانا مؤامرة فوضوية، وهى سردية غير منطقية ومتناقضة مع نفسها، ولا تميز بين الـ 18 يوما الأولى من 25 يناير، وبين ما تلى ذلك من عجائب وغرائب حكم المجلس العسكرى، ثم مؤامرة الإخوان والسلفيين والقوى الخارجية على 25 يناير، أضف إلى ذلك أن كل لجان التحقيق الرسمية لم تشر إلى وجود مؤامرة كما يروج لها أنصار سردية أن يناير مؤامرة أو فوضى.
والسردية الثانية هى أن 25 يناير ثورة غير مكتملة، ولابد بالتالى من استكمالها من خلال موجات ثورية قادمة قريبا، ويرى أنصار هذه السردية أن الإخوان سرقوا الثورة، كما أن الفلول وقوى الثورة المضادة سرقوا ثورة 30 يونيو، ومن ثم لابد من تصحيح المسار، وأعتقد أن أنصار هذه السردية يعيشون وهم الثورة الدائمة، ويتناسون أن غالبية الشعب تريد الاستقرار، وأن الأوضاع الاقتصادية والأمنية لا تسمح بمزيد من الثورات أو الانتفاضات.
وهناك سردية ثالثة تقول بفشل 25 يناير، فهى لم تنجح فى تحقيق أهدافها لتصبح ثورة تغيير حقيقى للمجتمع، وبالتالى هى مجرد انتفاضة شعبية عظيمة انتهت ووصلت إلى محطتها الأخيرة، ولاشك أن سردية الفشل الكامل لـ«25 يناير» تتجاهل الآثار السياسية والاجتماعية التى نتجت عن خروج ملايين المصريين ضد مبارك وضد الإخوان، وهى سردية تدعو لليأس ولا ترى إلا نصف الكوب الفارغ، لأننى أعتقد أن «25 يناير» كانتفاضة عظيمة بقى منها قيم ومفاهيم وأشياء مهمة، لقد بقى منها تأكيد قدرة الشعب المصرى على الثورة ضد الظلم الاجتماعى والاستبداد، وعلى تنظيم نفسه فى مليونيات ضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وأتصور أن قدرة المصريين على الثورة أصبحت حقيقية وتجربة ملموسة يجب أن تعمل لها الأحزاب والحكومة ألف حساب.
أيضا بقى من «25 يناير» القيم والأهداف العظيمة التى رفعها الملايين والمتمثلة فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وهو شعار يربط بوعى بين الحرية والعدالة الاجتماعية والشعور بالكرامة فى ظل دولة القانون، وهى مبادئ وقيم عليا أصبحت جزءا أصيلا فى ثقافة المصريين وفى وعيهم الجمعى، وجاء دستور 2014 ليسجل هذه الأفكار والمبادئ فيما يشبه العقد الاجتماعى الذى ينبغى أن يلتزم به المصريون حكومة وشعبا، ويعملون على تطبيقه، والاحترام الكامل لمواده، فالدستور رغم بعض سلبياته قد ضمن للمصريين مجموعة كبيرة من الحقوق والواجبات، والأهم الضمانات لتحقيق توازن مشروع ومطلوب بين السلطات، علاوة على أنه وضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحريات.
أخيرًا بقى من «25 يناير» أنها كشفت للشعب، وعلى نطاق واسع، الوجه الحقيقى للإخوان والسلفيين، كجماعات تخلط الدين بالسياسة، وتوظف المقدس الثابت لتحقيق مصالح دنيوية متغيرة، وبالتالى تلاشى التعاطف الشعبى مع الإخوان والسلفيين، ولم يكن ذلك بسبب أخطاء الإخوان فى السنة التى حكموا فيها مصر فقط، وإنما أيضا نتيجة مناخ الحريات والنقاشات العامة التى أثيرت بعد ثورة «25 يناير» حول علاقة الدين بالدولة، وموقف الإخوان من الدولة الوطنية وحقوق الأقليات، وغيرها من القضايا التى لم يكن مسموحا بمناقشتها قبل «25 يناير».. القصد أن انتفاضة «25 يناير» حققت مكاسب وحريات غير مسبوقة لايزال بعضها موجودا، ولابد من الدفاع عنه وحمايته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة