كان من المفترض أن أكمل حديثى اليوم عن متاحفنا المصرية، لكننى سأقطع هذا الحديث لأنى قرأت خبرا فى «اليوم السابع»، يقول 60 من أولياء أمور الطلاب بالجامعة الأمريكية أقاموا دعوى تطالب بإبطال قرار الجامعة الأمريكية المعمول به منذ 2014 الذى يقضى بتحصيل %50 من مصروفات العام الدراسى بالدولار، وفى الحقيقية فإننى لا أرى ما هو أكثر من هذا الأمر هوانا وإهانة، فبأى حق تلزم الجامعة الأمريكية طلابها بتحصيل المصرفات بالدولار، وهل تحصل تلك الجامعة على الخدمات المقدمة من قبل الحكومة بالدولار؟ وهل تشترى مستلزماتها من مصر بالدولار؟ وهل تصدر لها فاتورة الكهرباء بالدولار؟ ثم هل تقدر أى جهة عاملة فى مريكا أن تفرض على المتعاملين معها أن تحصل رسومها بالجنيه المصرى أو الين اليابانى أو اليوان الصينى؟
هذا هو العبث بعينه، وهذه هى الإهانة بعينها، والأمر هنا لا يخص الجامعة الأمريكية بالقاهرة فحسب، بل يخص جميع الجامعات والمدارس الدولية الأخرى، فببساطة غير مخلة فإن هذا الأمر يعد اعتداء سافرا على سيادة مصر على أراضيها، كما يعد استهانة بحقوق مصر وعبثا بعلاقة الدولة بمواطنيها، فلماذا تصمت الحكومة على هذه الكارثة؟ بل والأمر كيف تدافع عنها على لسان محاميها بحجة أن القانون أعطى لتلك الجامعات الحرية فى أسلوب تحصيل المصروفات؟
على صناع القرار فى مصر أن يعلموا أن جميع المؤرخين الذين اهتموا بدراسة دلائل سيادة الدولة على أراضيها فى العصر الإسلامى أكدوا أن شارات الحكم ثلاث، الأول هو «الخلعة» أو العباءة التى يرسلها الخليفة إلى أتباعه فى الأمصار الإسلامية المختلفة، فيصبح حكمهم ذا شرعية ويصبح هو أيضا حاكما شرعيا، فكلا من عمليتى الإرسال والاستقبال من مؤشرات شرعية كل من الخليفة وأتباعه، أما ثانى شارات الحكم فهى الدعاء للخليفة أو للحاكم على أكبر منابر العاصمة، ويؤرخ المؤرخون لسقوط الدولة الفاطمية بأن إمام الجامع الأزهر دعا للخليفة العباسى بدلا من الخليفة الفاطمى فسقطت الدولة، أما الشارة الثالثة فهى سك العملة، أو «السكة» بالمصطلح الإسلامى التاريخى، وهو أمر يحتكره الحاكم كما تحتكره مؤسسات الدولة، ومعنى أن يتم تداول عملة أخرى غير التى تصدرها الدولة فى قواميس التاريخ الإسلامى هو أن الشعب فقد الثقة فى حكومته وبالتالى فى عملتها، كما كفر بالعبارات الدعائية المنقوشة على هذه العملة بما فيها الدعاء للحاكم والولاء للبلد، ولهذا كله فإن الذهول هو ما اعترانى حينما قرأت ما كتب على لسان «محامى الحكومة» الذى دافع عن فكرة تحصيل مصروفات الجامعة الأمريكية بالدولار الأمريكى برغم أنها على أرض مصرية، فسألت نفسى: عن أى حكومة يدافع هذا الرجل؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة