دخلت شبكة الإنترنت فأنت فى عالم افتراضى له قوانين تختلف كثيرا عن عالمنا الطبيعى، من حيث التلقى والتفاعل، والخصوصية، أنت حر جدا، لكنك لست حرا تماما، وهى مفارقة يعرفها كل من يغوص أكثر ويتعرف على هذا العالم، خلال سنوات تطورت الشبكة لتصبح أكثر تعقيدا وتشابكا، العالم «قرية صغيرة»، تضم أناسا معزولين، يصنعون أخبارا وأرقاما ومعلومات، والحقائق والأكاذيب، والآراء انعكاس لكل هذا العالم بتناقضاته، وهى تناقضات ليست مقصورة علينا، لكنها عملة رائجة.
شهدنا فى الانتخابات الأمريكية أوباما والديمقراطيين اتهموا «فيس بوك» أنه منحاز لترامب، وأن كثيرا من الأخبار المزيفة والعناوين الخداعة، أثرت على الناخبين. المفارقة أن حملة ترامب اتهمت جوجل باللعب لحساب هيلارى كلينتون، وتدخل فى قوائم البحث ليظهر الصفات الجيدة ويستبعد الصفات السيئة، رد مارك زوكربيرج أن 5% فقط نسبة الكذب، خبراء عالم التواصل قالوا إن نسبة الكذب لا تقل عن 50%، وأن «فيس بوك» يروج الأخبار الأكثر جاذبية، مهما كانت كاذبة. بينما يرى الباحث «هوسانى اكروكاسى» أن «فيس بوك» ينحاز، ويضع الأخبار المتشابهة من بين الأخبار المزيفة، حيث يتم نقلها من مواقع وهمية، وإعادة بثها ضمن ما أسميه «توثيق الأكاذيب». ويكشف هوسانى، قصصا لمرضى وضحايا وهميين، حصلوا على تبرعات، وتعاطف، واتضح أهم نصابون، وهى ظاهرة تكررت عندنا، وآخرها الطبيبة المريضة التى تعاطف معها الجمهور، واتضح أنها بحساب وهمى، وهو نفس ما يجرى فى سوق افتراضى فيه من يبيع أدوية مضروبة وغير مرخصة ولا مسجلة.
خلاصة الأمر أن هذه الظواهر لا تخصنا وحدنا، وعصر الاتصالات يقدم الكثير من الميزات، والكثير من العيوب، ونحن فى فترة انتقالية لا يمكن توقع شكلها، لكن المؤكد أن كل شخص يفترض أن يمتلك القدرة على التفكير بعيدا عن تأثيرات الآخرين ممن يصنعون له آراءه سواء ليشترى بضاعة ما فاسدة أو ليبحث عن آراء قائمة على معلومات مزيفة. وهناك بعض الجهات أصبحت تتفنن فى نشر أخبار عادية ومنحها صفات الأسرار، لأن فكرة الحصرية والسرية تمنح العادى صفة الأهمية، وهى طريقة لتوصيل المعلومات والأخبار، غالبا ما تكون مصنوعة لشد الانتباه. بينما الحقيقة غالبا لا تكون كافية، فيلجأ خبراء التسويق والدعاية لأساليب التشويق والتسخين، ليمنحوا العادى صفة الخطورة. فترى «شاهد قبل الحذف». واكذب «سرى للغاية».