أتابع يوميا ما تنشره الصحف عن ضبط موظف «ما» متلبسا برشوة «ما» من رجل «ما» وفى الحقيقة فإنى برغم إيمانى الكامل بوجود جريمة «ما» يعاقب عليها القانون فى فعل الرشوة، لكنى فى الآن ذاته أدرك تمام الإدراك أنه ليس شرطا أن تكون أسباب تقديم الرشوة غير قانونية، فرشوة «موظف صحة» ليست دليلا قاطعا على أن هذا التاجر يحوز أطعمة فاسدة، ورشوة موظف التموين ليست دليلا على أن هذا التاجر يتعامل فى بضائع منتهية الصلاحية، ورشوة موظف الحى لا تعنى بالضرورة أن هذا المقاول يريد أن يخالف القانون فى بنائه، بل أنى على يقين أيضا بأن الكثير من التجار والمقاولين لا يريدون شيئا سوى أن يعملوا فحسب، وأن بعضهم يعتبر هذه الرشوة من قبيل «الضرائب» أو «الرسوم» المفروضة عليه من أجل تسهيل عمله ليس أكثر، فهل هناك عبث أكثر من هذا؟
أمامنا عشرات الوقائع التى تثبت أن الكثير من رجال الأعمال الذين تورطوا فى تقديم رشاوى إلى مسؤول «ما» ولم يقصدوا بتقديم هذه الرشوة مخالفة القانون، وكذلك لا يريد الموظف المرتشى أن يخالف القانون لعلمه أن المخالفة مهما تحصنت وتوارت ستنكشف، إذن نحن أمام اثنين – راشٍ ومرتشٍ - لا يخالفنان القانون فيما يتخذونه من إجراءات، لكنها يستسهلان «الرشوة» ويهويانها كما يهوى رمضان صبحى الوقوف على الكرة، وكما يهوى الأطفال التسلق على أكتاف آبائهم.
وليس أوضح من ذلك المثال الذى شغل الناس لفترة ليست بالقليلة ثم عمت الصدمة بعدما تم اكتشاف الحقيقة، والمثال هنا يخص حالة رجل الأعمال «أيمن الجميل» الذى اتهم بتقديم رشوة إلى وزير الزراعة الأسبق «صلاح هلال» ليمكنه من تقنين حيازته لـ2500 فدانا، وبعد اكتشاف القضية وتقديمه للعدالة، بحثت الرقابة الإدراية أوراقه ووجتها «سليمة» ثم بحثت لجنة تقنين الأراضى وضعه ووجدته سليما أيضا، أى أن الرجل اضطر إلى تقديم ما قدمه ليس ابتغاء الاستيلاء على مال الغير أو رغبة منه فى مخالفة القانون، بل على العكس، كانت «الرشوة» من أجل تنفيذ القانون، لكن الله ابتلانا بموظفين لا يقدرون حجم مسؤولياتهم، يتخيلون أنهم شركاء أى راغب فى إتمام عمله لمجرد أن الله وضعهم فى موضع «تسيير المصالح» فعملوا كل ما فى وسعهم لإيقافها، والحل الوحيد من أجل القضاء على هذا الفساد القانونى هو تسهيل تقديم الشكاوى فى الموظفين المعطلين للقانون، وتقديمهم إلى محاكمة سريعة تفصل هذه الشكاوى وتعاقب المتخاذلين بأشد العقوبات إذا ما ثبت تعطيلهم مصالح الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة