حتى لو كنت أختلف معه فكريا وسياسيا، فإننا أمام جلالة الموت لا نملك إلا أن نقول «رحم الله الشيخ الضرير عمر عبدالرحمن وسامحه الله»، فالدعاء يجب أن يكون على قدر الموقف، ونحن أمام جلالة الموت لا نملك إلا أن نترحم عليه، فالرجل بين يدى الله ومن سيحاسبه هو الله..
ولكن السؤال الذى نطرحه الآن هو: هل رحل الزعيم الروحى للجماعة الإسلامية وهو لا يملك إلا نصف الحقيقة؟! وهل ندم قبل أن تصعد روحه إلى بارئها على إصداره بعض الفتاوى العامة التى ترجمها أنصاره بأنها دعوة للعنف كما حدث منذ السبعينيات والقتل، كما حدث للسادات فى المنصة، وأسيوط فى مديرية أمن أسيوط، والعمليات الإرهابية التى نفذها تلاميذ الأب الروحى لهذه التنظيمات، وأحيانا السرقة التى نفذها تنظيم الشوقيين الذين استحلوا محلات الذهب التى يملكها الأقباط، ولكن هل ينفع الندم، فالجريمة ليست فى القتل أو الحرق أو الذبح، ولكن فى الفكرة التى انتشرت وتوغلت وأصبحت قرآنا ودستورا يمشى على الأرض بالنسبة لأتباع الشيخ الضرير، وهو ما يجعلنى أتساءل: هل ذهب الشيخ عمر عبدالرحمن، وهو يملك نصف الحقيقة التى تجعله مؤمنا أن الوصول لتطبيق الشريعة لا يأتى إلا بالعنف، وهل كان هذا الشيخ الكريم يتابع تجربة الإخوان المسلمين الذين حكموا مصر ولم ينجحوا فى الإدارة ولا فى تطبيق الشريعة والشرعية، وأخذت منهم البلاد بعد أن خرج عليهم العباد.
إذاَ أعتقد أن الدكتور عمر عبدالرحمن رحل عن الدنيا وهو لا يملك إلا نصف الحقيقة، لأن حكم البلاد بالشرع لا يحتاج كل هذا العنف ولا يحتاج أن ننقل أفكار المودودى وابن تيمية وغيرهم من الفقهاء الذين كانت لفتواهم فى عصرهم سببا وما ينفع فى عهدهما لا يصلح الآن، ولهذا كان عظماء الإسلام المرن، الإسلام الوسطى، الإسلام الذى يعتبر حرمة النفس أهم من حرم بيت الله الحرام «الكعبة»، هل هناك عظمة أكثر من ذلك، إذاً نصف الحقيقة التى عرفها الشيخ كانت كارثة، لأنها أفرزت الدواعش والقواعد، وأصابت الإخوان الآن بنفس أمراض التطرف التى بثها عمر عبدالرحمن فى أتباعه، بعد أن ظلوا لسنوات طويلة لديهم منهج مختلف عن جماعات العنف، ولكن بعد أن أضاعوا الكرسى والجماعة مقابل لذة عام من الحكم أعلنوا إيمانهم الكامل بنصف الحقيقة للزعيم الروحى لكل التيارات المتطرفة، وأضيف فكر عمر عبدالرحمن إلى المدارس السرية للإخوان، والسبب هو السلطة والشرعية وليست الشريعة والدين، وهو ما كان يجب أن يصل إليه الدكتور عبدالرحمن ليموت وهو على علم كامل بكل الحقيقة، وليست نصفها.
ولكن هل تم تفسير فتاوى عمر عبدالرحمن للوصول للسلطة بشكل خاطئ؟ أم أن الرجل لم يكن يقصد سوى التفسير المطلق دون أن يقصد توجيه أمر مباشر لأتباعه بقتل السادات أو جنود الأمن بأسيوط أو ذبح السياح أو سرقة ذهب الأقباط، وهى القضية التى يجب أن يتم فتحها الآن، ولا نحاول التقليل من الرجل أو اتهامه بكذا وكذا دون الرجوع إلى فكره التى تمت محاكمته فى بداية الثمانينيات مرتين أما قضاة عظام فى قضية مقتل السادات والجهاد الكبرى، وحصل الرجل على البراءة فى القضيتين، وأعتقد أن حكم المحكمة دليل على النية الطيبة للرجل خاصة فيما عرف بأنه مفتى قتل السادات، ولكن الرجل حصل على صك البراءة من أكبر محكمة فى تاريخ مصر، وأصبحت الصحيفة الجنائية للشيخ عمر نظيفة، وكما قلت فإن صفحته الجنائية أصبحت بيضاء، ولكن فكره هو السبب الرئيسى فى استمرار اتهامنا له بأنه نشر الفكر المتطرف حتى ولو بحسن نية، ومعروف أن الطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا وهو ما يجعلنى أتساءل هل يدخل عمر عبدالرحمن الجنة أم النار؟ وبالطبع الإجابة الله أعلم، فجميعنا يتم حسابه على النوايا التى لا يعلمها إلا الله.. رحم الله الشيخ عمر عبدالرحمن وغفر الله ذنوبه آمين.