عندما تقرا مقالات أحمد بهاء الدين، وكثير من كتاب ومفكرى عصره، تكتشف أننا طوال ما يقرب من القرن نعيش نفس الأسئلة، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية، وضمان حرية إرادة الناخب، بعيدا عن تأثيرات المال والدعاية، بهاء طرح سؤالا عام 1949: هل الديمقراطية مجرد انتخابات، أم أنها نظام يضمن حرية الإرادة؟
وفى مقال له فى اغسطس 1949، يكتب بهاء «كنت أقرأ برنارد شو فصدمنى قوله الديمقراطية تستبدل بالتعيين على يد القلة الفاسدة، الانتخاب على يد الكثرة العاجزة».. هذه الجملة تبدو فى ظاهرها وكأنها حكم على الديمقراطية بالفشل، ومع ذلك فبرنارد شو ديمقراطى أصيل، ومن أول دعاة الديمقراطية الصحيحة.. ينبه إلى أن أساس الديمقراطية هو الناخب، وأن عجز هذا الناخب هو عيب الديمقراطية. ونقطة ضعفها. وأن عدم توفير وسائل العيش والمعرفة للناخب يجعل إرادته مكبلة وربما يدفعه للتصويت ضد مصالحه، حيث الناخب الفقير تُشترى إرادته بالمال، والجاهل يمكن تضليله.
أحمد بهاء الدين كان ينتمى إلى الاشتراكية الديمقراطية التى لا تفصل بين الخبز والحرية، وكان برنارد شو «فابيا»، أسس مع آخرين منهم هـ.ج. ولز، الجمعية الفابية 1884، نسبة إلى القائد العسكرى الرومانى فابيوس مكسيموس، الذى كان يفضل كسب معاركه بالنقاط، سعى الفابيون لبناء نسخة الاشتراكية البريطانية، التدرجية عن طريق الدستور وليس الاستيلاء على الحكم بالقوة، وهم نقيض الماركسية، وكانت نواة حزب العمال البريطانى سنة 1900، وكانوا يراهنون على أن العمل التراكمى سيرفع الوعى، ويستقطب أنصار العدالة.
مقال بهاء يتضمنه كتاب «مقالات لها تاريخ» الصادر عن الكتاب الذهبى بروزاليوسف فى ذكرى ميلاده التسعين، ينتقل بهاء من بريطانيا إلى مصر ليشير إلى ظاهرة شراء أصوات الفقراء وكيف كان المال والعصبيات تتحكم فى اللعبة الديمقراطية فى الأربعينيات والثلاثينيات، ويرى أن منح المواطن حقوقه فى العيش والحياة الكريمة هو أول ضمان لحرية إرادته.
وفى مقال آخر يتذكر بهاء مقولة الفيلسوف الفرنسى «جوستاف لوبون» أن الديمقراطية عند العامة تعنى «المساواة»، وعند المثقفين تعنى «الحرية». ويرى بهاء أنه لا يكفى لكى تكون الدولة ديمقراطية أن تكون بها جرائد ولها برلمان وتجرى فيها انتخابات، كما يتضح الفرق بين يسار يطالب بالمساواة ويسقط الحرية، ويمين يتغنى بالحرية ولا يذكر المساواة، ويرى بهاء أن تحرير الأفراد من قيود الفقر والجهل، أول خطوات الديمقراطية. مع ملاحظة أن هذه الأسئلة ظلت مطروحة عقودا، ونجحت فى خطوات وفشلت فى غيرها.
المفارقة أننا بعد ستين عاما، نقف أمام نفس الأسئلة، عن الديمقراطية، والانتخابات، وإرادة الناخب، وحريته، وخبزه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة