كثيرون ما يحكمون على الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم بصوت مسموع، على أنهم أشخاص غير أسوياء، وربما مُختلون عقليًا، وأظن أن هذا الفكر فى حد ذاته به خلل، فالإنسان حينما يتعامل مع نفسه، أحيانًا يحتاج أن يُعاملها على أنها شخص آخر منفصل عنه كُلية، وربما يكون فى أمسِّ الحاجة إلى التفكير بصوت عالٍ ؛ لأنه يود أن يصل حديثه إلى عقله وأُذنيه، أى أن يصل تفكيره إلى كل خلايا جسده، باختصار، هذا التصرف ليس تصرفًا شاذا، أو غير منطقى، بل هو تصرف طبيعى للغاية، فالنفس البشرية رغم التصاقها بصاحبها جسديًا، إلا أنها قد تنفصل عنه فى الكثير من الأحيان فكريا، فيضطر أن يُناقشها ويُجادلها بصوت مسموع .
وأكبر مثال على ذلك، أنه قد ذهب أحد الأصدقاء لزيارة الكاتب الأيرلندى "برناردشو"، وعندما دخل عليه حجرته، وجده يتحدث مع نفسه، وعندئذٍ قاطعه الضيف قائلاً: "أتتكلم مع نفسك "، فرد عليه الكاتب الكبير : "نعم إنها عادة، فقد اعتدت منذ الصغر أن أتحدث كل يوم مع شخص ذكى ! "، والغريب فى الأمر أن أغلب العباقرة والمُفكرين، يتحدثون مع أنفسهم كثيرا، فالحديث مع النفس أحيانًا يكون مُجديًا أكثر من الحديث مع الآخرين، فالنفس مهما ضللت صاحبها، إلا أنها فى النهاية تخشى عليه، وتحاول حمايته ؛ لأن الالتصاق الذى يربط بين الإنسان وروحه ونفسه، هو التصاق اضطرارى، مهما حاول التنصل منه أو مُجابهته، ففى النهاية، الروح لابد أن تعود إلى صاحبها . فهل نختلف على أن الروح لا تُفارق الإنسان إلا بالموت ولكنها فى النهاية تعود إليه يوم الحساب .
لذا، فحديثنا مع أنفسنا، هو أكبر دليل على قدرتنا على التفكير، والرغبة فى التصالح مع النفس، ومحاولة التقرب من العقل الباطن الكامن بداخلنا بتجرد كامل .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة