ماهر المهدى

المواطن بطاطس

الجمعة، 24 فبراير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت قد كتبت قصيدة بالعامية المصرية عن ( المواطن بطاطس ) منذ عدة أعوام ، تعاطفا مع المواطن المصرى المقيم فى الخارج ، وتصويرا لأوجاعه وأحاسيسه التى قلما تطرق إليها أحد عند الحديث عن الخارج وعن المصريين فى الخارج. 
 
إذ لا يتفتق ذهن أحد تقريبا عن الإشارة الى أوجاع ذلك الانسان المغترب ومعاناته ، وإنما ينصب الحديث والمبادرات على استثمار المهاجرين والمقيمين فى الخارج وعلى حثهم على المساهمة فى مشاريع الوطن وشراء الأراضى والسندات والشهادات ، وكان هولاء المقيمين فى الخارج يديرون مطابعا للبنكنوت ويجلسون على ( زلع ) على بابا التى وجدها فى مغارات سى سمسم اللى قاله : افتح يا سمسم فقام سى سمسم فاتح باب المغارة على الضلفتين ليجد أخونا على بابا كنوزا مهولة من المرجان والياقوت والزمرد والزبرجد والدهب ويحمل من تلك الكنوز ما شاء .
 
 شىء يغيظ حقيقة ألا ينظر أحد الى معاناتك وحرمانك من أهلك ومن وطنك والى ما تلقاه من متاعب ومن مصاعب يومية من أجل التكيف مع الغربة ومعالجة صعابها وتلبية احتياجاتك واحتياجات أسرتك فى الغربة وفى مصر . وحينما يأتى أحد بمبادرة لتقديم قطعة أرض الى المصريين فى الخارج ، يطرحها عليهم بالدولار وباسعار نار النار التى لا يقدر عليها الا قليل ممن أفاء الله عليهم من فضله الواسع، لينظر الباقون الى تلك العروض غير السخية من بلدهم وهم يتحسرون ويتمتمون بكلمات الحقولة والحسبنة ، وذلك من باب الاستعانة بالله على ما يحسونه من خيبة أمل . فالكل ينظر الى المصرى فى الخارج كما ينظر الى محصول من البطاطس التى وجب حصادها فى كل حين وفى كل موسم ، مع الاحترام للمواطن المصرى فى كل مكان ، وللبطاطس أيضا . ولأن الانسان يبحث عن الاسهل دائما ويكره أن يتجشم من العناء الكثير ، فقد تعلمت الحكومات أيضا هذا الطبع ، وراحت تكره الصعب وتكره أن تتجشم العناء فى عملها . ولارضاء هذه النزعة الى الوصول السريع ، كان لابد للحكومات أن تجد محصولا آخرا للبطاطس واجبة الحصاد فى الداخل أيضا . وليس أفضل من الموظفين الحكوميين فى الداخل من محصول للبطاطس يسهل جنيه وحرثه وعجنه وخبزه فى كل وقت دون أن ينطق المحصول المسكين كلمة خوفا وعجزا . وبذلك تتوازن الأمور بمحصول المقيمين فى الخارج ومحصول الموظفين الحكوميين فى الداخل ، وأهو كله بطاطس سهلة الهضم والطبخ ، ولا يستطيع المرء أن يمنع نفسه من الضحك على هذه الكارثة المضحكة المبكية . وشر البلية ما يضحك . 
 
أما فى شأن ( المواطن بطاطس ) فى الداخل المعروف باسم الموظف الحكومى ، فالحكومة لا تكتفى بالتفكير فى تحميره وهرسه ، ولكنها تفعل ذلك كل يوم بتمرس ومهارة ، وبلا مشاعر حزن ولا أسى ، لأنه مجرد ( بطاطس) . فموظف الحكومة يتقاضى عشر ما يتقاضاه نظيره فى القطاع الخاص ، ويسدد اشتراكات التأمين ليحصل على معاش سقيم ، ويسدد ضريبة الدخل من المنبع وقبل أن يبلع أن يشرب أو يلمس راتبه ، ويسدد الضريبة على كل ما يشترى وعل كل ما يبيع اذا كان لديه ما يبيعه . وقيمة راتبه مقرونة بقيمة الجنيه هبوطا فهبوطا ولا يشهد الراتب صعودا ، الا كالسراب فى الصحراء . ويمتنع عليه العمل التجارى ، ويمتنع عليه المضاربة فى البورصة ، ويمتنع النفس حتى لا يطمع فى الحياة, فالموظف الحكومى فى النهاية محصول بطاطس . وما أطيب البطاطس من محصول . أما أرباب العمل الحر وأرباب التجارة وأرباب المهن الحرة وأصحاب البزنس ، فهم يشاركون الحكومة فى هرس المواطن بطاطس ، ويسددون ما قد يسددون ويكتنزون – ما شاء ألله ، اللهم لا حسد ولا ضعينة – ما يكتنزون فى البنوك وتحت البلاطة المصرية والبلاطة الأجنبية ، ولا فرق فى ذلك بين أهل البزنس فى حى فقير وأهله فى حى ثرى . ففى كل الأحياء بلاط وعمارات . وهناك أيضا أناس يجمعون جبالا من أموال اخواننا أصحاب  ( بنك البلاطة) بالحيلة والدهاء ، وباسم الاستثمار والتوظيف ، ثم يعود منها ما يعود ويطير منها ما يطير مع ريح الندامة . ولا يسدد بعضهم ضريبة ولا يمسك حسابا ولا يصدر فاتورة ، بينما الدولة تعصر المواطن بطاطس فى الداخل وفى الخارج وتنفق وقتها فى البحث عن معصرة أفضل ومهرسة أقوى وأسرع فى استخلاص عصارة موظف الحكومة . 
لا شك فى حب الشعوب جميعا – ربما على تفاوت بينها – للبطاطس ، لما لها من منافع كثيرة ، ولما تمتاز به من طعم طيب وطبيعة تقبل التشكيل والتكوين والخلط وغير ذلك من صنوف الطرق التى يتفنن فيها الانسان حبا فى التجديد وهروبا من الملل ، وارضاء لنزعته الى الحصول على ما لا يتاح للجميع . ولكن ، لماذا لا تجرب الحكومة اقتراحات خبراء المال والنقد باستصدار عملة مصرية جديدة وجميلة وتتناسب مع حاضرنا ومستقبلنا ، وتفرض مزيدا من الرقابة على السداد النقدى حتى يتراجع الى حد آمن يتيح للدولة الرقابة الحقيقية على أرباح الجميع وليس فقط راتب موظف الحكومة بطاطس  . فمن شأن العملة الجديدة المقترحة أن تحتم على أصحاب ( بنوك البلاطة ) الكثيرين أن يستخرجوا كنوزهم النقدية المدفونة ليستبدلوها بالعملة الجديدة ، والا راحت عليهم تلك الأموال المخبوءة . وبذلك قد تتمكن الدولة من ضبط نقاط كثيرة مما قد يحتاج الى ضبط . وأما السداد النقدى ، فلابد أن يتراجع ، حتى لا ندور فى دائرة مفرغة لا يفلح فى علاجها بطاطس الداخل ولا بطاطس الخارج المساكين . 
حفظ الله مصر ووفق رئيسها وقادتها إلى الخير .






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة