فى عام 1990 أصدر المفكر الراحل، فؤاد مرسى، كتابه «الرأسمالية تجدد نفسها»، يؤكد فيه أن «الرأسمالية فى نهاية القرن أقدر على البقاء، وأكثر قدرة على الحياة مما كان يتصور خصومها»، كان الدكتور فؤاد مرسى مفكرا اقتصاديا وسياسيا، درس الاقتصاد السياسى فى السوربون، وظل منخرطا فى العمل العام اليسارى، واعتقل وسجن مرات، وتولى وزارة التموين فى حكومة عزيز صدقى مع الرئيس السادات، كان من القليلين داخل مدارس اليسار، يشاهد حجم التحول فى العالم، ويحذر من الجمود والعجز عن التجديد، وكان يتوقع أن تواجه دول العالم النامى، ومنها مصر، تحديات كبيرة، فى ظل اتساع عولمة رأس المال.
كان كتاب فؤاد مرسى يشير إلى أن الرأسمالية تجدد نفسها، بينما الاشتراكية تواجه التراجع، بعد عقود من المد والجزر، صححت الرأسمالية مسارها، بـفـضـل الثورة العلمية والتكنولوجية، أشكال الملكية الخاصة لرأس المال تغيرت، حيث العلم نفسه قوة إنتاجية خلاقة، تتفتح مجالات جديـدة لـلإنـتـاج وتوسيع الـسـوق وزيـادة الاستهلاك، وكان يتوقع أن تتصدر الدول المتقدمة قيادة العالم، بينما الدول العاجزة عن التقاط الإشارات تواجه التراجع وتفقد مكانها.
فى عام 1990 كان العالم يلملم أوراقه ليعيد تشكيل نفسه مرة أخرى، الرأسمالية تقترب من إعلان انتصارها على الاشتراكية، سقط سور برلين آخر علامات الستار الحديدى، بعد عقود من المنافسة والصدام الذى هدد أكثر من مرة بحرب نووية تدمر العالم، وبدا أن الرأسمالية فى أوروبا استفادت من الأفكار الاشتراكية وحولتها إلى برامج اجتماعية قادرة على إنهاء التهديد، الذى يأتى من ظلم يتعرض له العمال، بينما عجز المعسكر الاشتراكى عن إنجاز العدالة وبالمساواة، بالرغم من أنه يقوم على نظريات وأفكار التطور، ويعجز عن تطبيقها.
رحل الدكتور فؤاد مرسى بعد شهور قليلة وترك تنبؤاته، وبعد شهور أخرى انهار الاتحاد السوفيتى وتفكك، وبدأت مرحلة تراكمت خلالها التحولات، واتسعت عولمة رؤوس الأموال والمنافسة، التقطت الصين علامات التحول، واندمجت فى بناء تجربتها المتفردة، ونجحت دول جنوب شرق آسيا، فى أن تصبح نمورا اقتصادية، بينما ظلت دول العالم النامى ومنها مصر خارج هذه العلامات، تجمع بين عيوب النظام الرأسمالى والاشتراكى، وبقيت طريقة تفكير السلطة تتركز حول الانفراد، والمعارضة، من اليسار تحديدا، وقفت عند الشعارات القديمة، من دون القدرة على التقاط التحول، بينما كان يمكن فى حال التقاط تحذيرات مفكرين مثل فؤاد مرسى، أن تتطور السياسة والرأسمالية لتنسج أفكارا قادرة على تفهم العالم الجديد، حتى لا نظل نرقص على سلالم الرأسمالية والاشتراكية بلا نتيجة.