محمد شومان

أوهام وأساطير عن أنفسنا كمصريين

الأحد، 26 فبراير 2017 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لكل شعب من الشعوب صورة نمطية، يُعرَف بها بين بقية شعوب العالم، كما أن لكل شعب صورة عن نفسه، ولاشك أن هناك فروقًا كبيرة بين صورة الأنا والصورة التى يرانا بها الآخرون، والمشكلة أن صورة الأنا المصرية أى الصورة العامة والمتداولة بين أغلب المصريين عن أنفسهم بها العديد من الأوهام والأساطير التى لابد من مراجعتها ونقدها، حتى نمتلك صورة حقيقية وواقعية عن أنفسنا، أو باختصار صورة أكثر رشدًا وعقلانية.
 
سأتحدث اليوم عن أربعة من أكبر الأوهام والأساطير عن الأنا المصرية، الأسطورة الأولى أن الطفل المصرى هو أذكى طفل فى العالم، وأن النظام التعليمى يقتل هذا الذكاء الربانى الموروث!! وهذا كلام غير صحيح، وأقرب للخيال، ولا توجد دلائل أو إحصاءات دولية مقارنة تثبت صحة هذا الادعاء، الشىء الصحيح الوحيد فعلًا أن نظامنا التعليمى سيئ، ويقتل أى قدرات خاصة عند بعض الأطفال، لكن ذلك لا يبرر الادعاء بأن المصريين يولدون أذكى من بقية الشعوب، لأنه لو كان الأمر كذلك لظهر آلاف الأطفال المصريين العباقرة ممن ولدوا فى دول أجنبية لأبوين مصريين، ولم يتعرض ذكاؤهم لاغتيال على يد وزارة التعليم المصرية.
 
الوهم أو الأسطورة الثانية أن المصريين هم أكثر شعوب العالم تدينًا، فقد توصل الفراعنة إلى فكرة وجود إله واحد وبعث وحساب بعد الموت، كما أن لمصر مكانة ودور فى تاريخ الأديان السماوية الثلاثة.. كل ذلك صحيح، لكنه لا يعنى أبدًا أن المصريين أكثر شعوب الأرض تدينًا، فالتاريخ انتهى، والحياة المعاصرة مختلفة تمامًا عن تاريخ وحياة المصريين قديمًا، ولا توجد معايير أو قياسات دولية عن التدين، وما هى أكثر الشعوب تدينًا، خاصة وأن المقصود بالتدين يمثل إشكالية شائكة، فهل الالتزام بأداء الفروض هو التدين؟ أم ارتداء ملابس معينة والالتزام ببعض المظاهر هو التدين؟، أم العمل والسلوك اليومى بحسب ما يدعو إليه دين معين هو التدين؟ ومهما يكن من تعريف التدين.. فأننى أظن أننا كمصريين «مسلمين ومسيحيين» لسنا أكثر شعوب الأرض تدينًا، وإلا فكيف نفسر التدهور الأخلاقى وفوضى الشارع والتحرش والفقر، وغيرها من المظاهر البعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام أو المسيحية.
 
الوهم أو الأسطورة الثالثة أن المصريين أكثر شعوب الأرض حبًا لوطنهم، لأنه لا توجد أيضًا معايير أو قياسات دولية أو محلية لحب الوطن أو الوطنية، بحيث نتعرف على مدى حب كل شعب لوطنه، لكن من المؤكد أن أبناء كل شعب يحبون بلدهم، وأن لدى كل شعب مشاعر وطنية مفهومة ومبررة، فالمصرى يحب وطنه، لكن هذا الحب لا يتفوق مثلًا على حب اليابانى أو الروسى أو المكسيكى لوطنه، وأعتقد أن حب المصرى لوطنه فى عصر العولمة يحتاج إلى إيضاح، بمعنى ألا يقتصر على الغناء لمصر، أو تشجيع الفريق القومى، أو الخروج فى مظاهرات غير مصرح بها للإعلان عن فرحة المصريين بفوز فريقهم الوطنى.
 
وأتصور أن حب المصرى لوطنه يجب أن يترجم إلى ممارسات وتضحيات، مثل تفضيل المنتجات المصرية عن الأجنبية حتى لو كانت أقل جودة أو أعلى سعرًا، تمامًا كما يفعل المواطن اليابانى مثلًا، وزيادة مساهمة المصريين فى صندوق دعم مصر، والعمل بجدية أكبر.. هذه وغيرها ممارسات يمكن أن تكشف عن حب المصرى لوطنه، وهى ممارسات معروفة ويعبر بها أبناء كل وطن عن حبهم لبلدهم، بدون أغنيات وأناشيد وهتافات حنجورية أو رفع أعلام مصر المصنوعة فى الصين.
 
الوهم أو الأسطورة الرابعة والأخيرة، أن الشعب المصرى متحضر وراق، لأنه يحمل حضارة خمسة آلاف سنة، أظن أن هذه المقولة تحتاج إلى مراجعة، فالتحضر أو القيم النبيلة لا تورث عبر الأجيال، ومن الصعب ادعاء نقاء الجينات المصرية، لأن مصر كانت عبر التاريخ ملتقى هجرات، وبوتقة صهرت أجناسًا مختلفة، بعضها جاء مصر غازيًا، وبعضها جاء هاربًا من الاضطهاد وباحثًا عن فرصة لحياة أفضل.
 
مصر عبر التاريخ استقبلت الجميع.. ومصر والمصريون فى الماضى وعبر القرون يختلفون عن اليوم، فالقيم الراقية تراجعت، والتسامح لم يعد كما كان منذ نصف قرن أو أقل، تدهورت أوضاع مصر الاقتصادية والتعليمية، واختلفت عادات وقيم المصريين لأسباب كثيرة، وظهرت للأسف عادات وتقاليد أبعد ما تكون عن التحضر والرقى فى التعامل والتسامح، والتضامن.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة