الحقيقة أن لا عزاء لنا فى حفل الأوسكار يا كارهى الفن ! فلست فى غنىً عن وصف كم الحسرة التى أصابتنى وأنا أشاهد فيلم "لالا لاند" الذى حمل مع الستة أوسكارز اللتى حملها إلى ذاكرتى قسرا، استعراضات فرقة رضا و تصميماتها المبدعة، ورشاقة فريدة فهمى و قوامها الممشوق و انسيابية حركاتها و توافقها و لياقة محمود رضا و مرونته و هو يثب و كأنه طائر يطير فى الهواء ثم يرشق الأرض بخطىً قوية ثابتة ثم يستدير فى خفة متناغما مع الريتم الموسيقى فى إبداعٍ حقيقى دون مؤثرات بصرية و لا خدع كمبيوترية أو مونتاج ، أساسا لا وجه لمقارنة إيما ستون بفريدة فهمى من حيث الخفة و الرشاقة و إذا لم تكن فريدة فى جمال سعاد حسنى مثلاً فإن إيما وإن كانت ممثلة جيدة جداً إلا أنها فى نظرى لا تمت للجمال بمعنى كلمة جمال بصلة، لم يفقها دمامةً إلا الراحلة جوان كروفورد ، و لكن للحق كممثلة ربما أداؤها و روحها طغيا على الملامح ، و إذا كان رايان جوسلينج وسيماً إذ بدت عيناه عميقتين معبرتين إلا أن لا مقارنة بينه و بين رضا فى الاستعراض إذا قسنا على الرشاقة و اللياقة و التألق ، أما موسيقانا و أغانينا الشعبية بأصالتها و تنوعها التى جابت الفولكلور المصرى من شمال الوادى لجنوبه و مشاهدنا الاستعراضية و الخلفية التصويرية التى ضمت آثار حضارتنا التى لا مثيل لها و لا شبيه فى فيلم غرام فى الكرنك فأضافت بعداً ثقافياً تاريخياً منقطع النظير فقطعاً كل هذا تفوق على موسيقى الفيلم و أغانيه و استعراضاته و مناظره ! الحقيقة كان مستقبلنا فى الفن واعداً و لكن السؤال لِمَ ذهب أدراج الرياح و أين ذهب ؟ وأين ذهبت إمكاناتنا و طاقاتنا الفنية و الإبداعية ؟ أين ذهب كل هذا ؟ و أين نحن فى الفنون من العالم وأين ذهبنا ؟ واحسرتاه علينا !!! الفن القوة الناعمة و الرسالة عميقة الأثر زهدناه ! الفن هو عنوان الحضارة و مقياس تقدم الشعوب خبا عن سماء مصر و كانت مصر ؛ التى نعرفها ؛ الرائدة ، مصر التى سبقت الشرق و العالم فى جميع أنواع الفنون تشهد على ذلك رسوم المصريين القدماء و تماثيلهم و ملابسهم و حليهم بألوانٍها المقاومة للزمن و تظل نقوش جدران المعابد تصور الرقص و الاحتفالات و الاستعراضات لتخبرنا عن أسلوب حياة فى منتهى الرقى و التقدم ، كانت مصر رائدة الشرق فى الغناء و الاستعراض و الأدب و الرواية و الأوبرا و السينما و المسرح ، لم نتخيل أبداً أن تسطع شمس بوليوود و أن تسبقنا الهند فى صناعة السينما و كنا بالأمس نتندر على الأعمال الهابطة و نقول عليها "فيلم هندى" كمزحة ! المزحة الحقيقية أن تختفى هوليوود الشرق من خريطة العالم الفنية ! و لعل اختفاؤها هذا يشرح سبب اختفائها من على خريطة العالم الحضارية و بزوغها على خريطة الإرهاب ...
نحن فعلاً فى " اللالا لاند " و هذا حدث منذ فقدنا القدرة على الإبداع و كرهنا انفسنا فى الفن اذ حرَّمنا عليها كل الوان الفنون الراقية و حللنا التطرف و التكفير و الإرهاب و القتل فحُرِمْنا الرقى و الإرتقاء و سقطنا فى مستنقع الهبوط و الإنحدار ، التطرف و الإجرام و الدم !!! الفن و الخيال يسبقان العلوم و الإختراعات فما العلم الا خيال عالم و ريشة فنان ، الفن علاج للنفوس و الأجساد المريضة حقيقةً لا مجازاً و له فعل السحر على فيسيولوچيا كل المخلوقات لاسيما النباتات ، بالفن تنتصر الجيوش فى الحروب و تشتعل الثورات للتغيير و تشحذ الهمم للعمل ، الفن سفير الأمم ، تواصل و تعارف و دعاية و نشر للثقافات بين الشعوب و مهرجان لحضاراتها ، بالقطع لا يمكن اختزال قيمة الفن فى مقال لكن إذا لم نكن نؤمن بكل هذا فلا أقل من أن نقر بأن الفن صناعة لا تقل قيمة و لا أهمية عن أى صناعة و له إسهامه الكبير فى اقتصاديات الدول و ليس فى رقى النفس الإنسانية و الفكر البشرى و الحضارة فقط ..
هذه رسالة مني أرسلها إلى كل من يهمه الأمر و كلى حزن على مركز مصر الفنى !
• أستاذ بطب قصر العينى .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة