انتهى زمن الرئيس السابق مبارك وانتهى حكمه . وقد انتهى حكم الرجل لمصر ، والذى استمر منذ عام1981 وحتى عام 2011 ، بمحاكمته فى محاكمات علنية وسرية ، تتعلق بالإضرار بالمال العام وقتل المتظاهرين . وقد ظهر المتهمون جميعا مرتدين ملابس السجن وفى قفص الاتهام .
عانت مصر ورأت ظروفا صعبة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك ، مثلما رأت أياما من الاستقرار والسكينة . وأسوأ ما فى الظروف الصعبة التى رأتها مصر فى عهد مبارك هو العناد غير المبرر لإرادة الشعب الذى أحبه ، ولم يتصور أن يضطر يوما إلى مطاردته ومطالبته بترك السلطة . ولم يكن فى مصر من يتصور أو يجنح تفكيره إلى تصور أن تقف الجموع الغفيرة من الشعب مطالبة بسقوط مبارك ومهددة بالزحف إلى قصر العروبة إذا لم يستجب القصر لمطالب الشعب . ولكن ذلك حدث ، واضطر مبارك إلى النزول على إرادة الشعب والنزول عن السلطة والرحيل دون وداع كريم أو احتفال . ولم ينته الأمر عند ذلك ، ولكن كتب على الرجل الذى حكم مصر ثلاثين عاما كاملة أن يخضع للمحاكمات فيما وجه إليه من تهم ، ليجد نفسه سجينا فى قفص مؤثرا ذلك على الهروب الى دولة أخرى .
لم يهرب مبارك ، ولم يهرب ولداه إلى خارج مصر- رغم كل المغريات - وخاضوا جميعا تجربة بالغة الصعوبة والقسوة بحضور محاكمة ممتدة ومعلنة فى ملابس السجون ، ومن وراء قضبان قفص الاتهام . وقد أثارت صورة مبارك فى ملابس السجون وخلف قضبان قفص الاتهام الما وامتعاضا فى قلوب من أحبوه جميعا ، وفى قلوب من لم يحبوه كثيرا أيضا . بل أثارت تلك الصورة ألما ووجعا فى قلوب أناس لم ينتموا إلى الشعب المصرى أصلا ، ذلك أن الإنسانية كل لا يتجزؤ . فقد تساءل الناس طوال الوقت ، وما زالوا يتساءلون - كلما طرح اسم مبارك - عن مكانة مبارك وما أسداه إلى مصر طوال عقود طويلة من سنى عمره . وما زالوا يتساءلون عن تقدير مصر لمن خدمها ورعى استقرارها وسلامة أبنائها وسلامة أراضيها ، ويتساءلون عن الحد بين العرفان والنكران . ويتساءلون عن الحد الأدنى للعرفان ، وعن الحد الأدنى لكرامة الإنسان . ويتساءلون عن سر الإصرار على ارتداء مبارك لملابس السجون ووضعه فى قفص لا شبه له إلا ما هو سىء.
إن ارتياد قفص الاتهام وارتداء ملابس السجن لهو إهانة وجرح كبير لإنسانية الإنسان وحط من كرامته التى أعزه ألله - سبحانه تعالى – بها . وهذا الحط هو أمر قد قصد أو لم يقصد فى الماضى ، ليكون زاجرا للناس عن اقتراف الجرائم ومخالفة القانون وارتياد المحاكم وتصعيد الخلافات والاستهانة بالنزاعات القضائية ومعاودة الجرم . ورؤية المهانة بالعين أقوى من الف كلمة واقوى من ألف قصة .
إن حبس الإنسان فى قفص لكونه محل اتهام ، قد يسىء إلى المجتمع كمجتمع مدنى راق يتحرى سبل التقدم ، ويتحرى سبل احترام الإنسان واحترام حقوقه . ومن الواضح أن دولا كثيرة قد سبقت إلى الاستغناء عن فكرة قفص الاتهام هذه ، فلماذا لا ننحو نحوها ونسلك دربها ونكرم الإنسان فينا ما دامت التهم الموجهة إليه لم تثبت فى حقه بعد ؟! وماذا ننتظر فى هذا الشأن ؟ إن حدثا جللا مثل محاكمة القرن التى شهدت محاكمة رئيس سابق وعديد من الوزراء والمسئولين الكبار الذين احتلوا أرفع المناصب فى الدولة فى يوم من الأيام ، لابد وأن يحرك طاقة كافية لنغير ما قد يجب تغييره فى أقرب وقت ممكن ، فكم من مشكلات تراكمت وتفاقمت ، فقط لأنها أهملت وتركت للتراخى ، بينما هى فى الأصل مشاكل أبسط مما صارت اليه .
لقد انتهت قصة مبارك أو أوشكت ، ولكن كثيرين - داخل الوطن وخارجه – ما زالوا يتمنون شيئين : أن تعفو مصر عن مبارك ، إكراما لعمره ولأيامه وتكرم منزلته ، وأن تنهى مصر العمل بنظام قفص الاتهام وملابس السجون فى المحاكمات اعترافا بكرامة الإنسان ، وبقدسية كرامته حتى يصبح مدانا بأحكام نهائية . فإذا استجابت مصر لهذا المنحى والطلب الإنسانى المتعلق بإنهاء العمل بنظام قفص الاتهام وملابس السجون ، فسوف يصبح قفص مبارك آخر قفص اتهام ، وستكون هذه آخر خدمة جليلة لرئيس سابق أساء إلى بلده وأحسن إليها أيضا . حفظ ألله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها إلى كل الخير .