الجميع يواجه التحديات ذاتها، فقد توغلت مواقع التواصل الاجتماعى فى حياتنا بشكل صار أكبر مما يحلم به أشد المتفائلين، أو يتخيله أكثر المتشائمين، ومن هنا كان لابد أن تعيد الحكومة من ترتيباتها لتدخل إلى معركة الشبكة العنكبوتية من بوابة الخدمات، ولهذا اقترحت منذ فترة فكرة إنشاء «بريد إلكترونى رسمى»، وقلت إننى لا أدعو الدولة أن تدخل مباشرة فى حرب معلنة مع هذه المواقع العالمية، التى توازى فى أهميتها أكبر الدول، لكنى فحسب أبحث للدولة عن بوابة للدخول فى هذا المعترك الإلكترونى بدلاً من ذلك الغياب المخجل، الذى تجلت آثاره المدمرة أمام موقع «الفيس بوك» ومشاكله، التى لا تنتهى، التى تناولت إحداها على مدار اليومين السابقين.
لن أقول هنا أيضا إن البديل هو «التجربة الصينية»، التى منعت غالبية هذه المواقع من الوجود فى أراضيها، فمكانتنا الإلكترونية ليست بذات الحكم، واستثماراتنا فى مجال التكنولوجيا تجعل من مجرد التفكير فى الاقتداء بالصين انتحارًا، لكننى فحسب أؤكد أن الدولة لا يجب أن تغيب عن هذا العالم الافتراضى، الذى أصبح حضوره طاغيًا، ولابد هنا من البحث عن مدخل، ولابد أيضًا أن يستغل هذا المدخل إمكانيات الدولة التى تقدم أكبر حزمة من الخدمات للمواطن، ومن هنا أصبح التفكير فى عمل «بريد إلكترونى رسمى» أمرًا غاية فى الأهمية.
من حق الدولة أن تلزم مواطنيها بعمل «بريد إلكترونى» تابع لها، ليصبح لكل مواطن عنوان «إلكترونى» معتمد، مثلما له عنوان جغرافى معتمد، وعن طريق هذا البريد الإلكترونى الرسمى يقدر المواطن أن يتعامل مع كل المصالح الحكومية، ومن خلاله يدفع فواتيره، ويرسل استفساراته ويستقبل مكاتباته البنكية والرسمية، بريد إلكترونى غير قابل للسرقة، لأنه يعتمد على الوجود الفعلى على أرض الواقع، ويستلزم من أجل الحصول عليه اعتمادا رسميا مبنيا على الأوراق الرسمية، على من يريد إنشاءه أن يرسل بصور مستندات رسمية تثبت هويته، ويتم تسليم العنوان الإلكترونى والرقم السرى له مباشرة بعد التحقق من هويته.
هذا اقتراح يجب أن تأخذه الدولة على محمل الجد، ولابد أيضا أن تراعى التنافسية فيه، بحيث يكون هذا البريد حقيقيا وليس صوريا، وأن يكون ذا سعة تخزينية منافسة، وأن يكون متمتعًا بكل شروط الأمان والخصوصية، فهذا البريد ليس سوى «خدمة» تقدمها الدولة، أتعشم أن تصبح مدخلا أوليا لما يمكن أن تضيفه إلى بقية الخدمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة