ربما تعلم أننى نادرًا ما أتحدث عن أمور كرة القدم، إلا إذا كان الحديث عنها يحمل قضية فكرية أو مجتمعية، ومن هذا المنطلق تحدثت فى مقالات سابقة عن السحر والشعوذة فى كرة القدم، وما يرسخه بعض المتحدثين باسم الأندية الكبرى من تفشٍ لثقافة الخرافة، متجنبين بذلك ثقافة العلم والعمل، ومن هذا المنطلق أيضًا أتحدث اليوم عن أزمة عصام الحضرى الذى كتب الله أن يكون أحد أهم أسباب نجاح المنتخب الوطنى فى إسعاد قلوب ملايين المصريين والعرب فى مباريات كأس الأمم الأفريقية، بعد أن استطاع الحضرى كسر جميع المعوقات التى تقف أمامه بالعرق والجهد والإتقان، ليسطر بعرقه ومجهوده حرف اسمه كأحد الأفذاذ، الذين نجوا من جميع الإحباطات وجميع المحبطين.
الحضرى أعلن أنه نادم على هربه من النادى الأهلى، وسفره إلى الاحتراف الخارجى دون إذن من النادى، ودعنى أقول لك إننى حينما ترك الحضرى النادى الأهلى كنت أهلاويًا متعصبًا، ولا أبالغ إذا قلت إن صورة الحضرى وقتها تضاءلت فى عينى بشكل غير مسبوق، فقد كرهت ما فعل وكرهت المال الذى يخرج الواحد عن القواعد و«الأصول» وقد كنت أتابع مشوار عصام الحضرى من بعيد فأراه متألقًا تارة وخابيًا تارة فلا أهتم، مؤمنًا بأنه اختار مصيره واختار عقابه بأن يظل بعيدًا عن ناديه الذى صنع مجده وصقل موهبته فأصبح على ما هو عليه، لكنى الآن أنظر إلى مسألة رجوع عصام الحضرى إلى النادى الأهلى بشكل آخر، وبروح مغايرة، متسائلًا: لماذا لا يعود الحارس الأهم فى تاريخ مصر إلى ناديه الأهم فى تاريخ مصر أيضًا؟
نعم الحضرى أجرم فى حق نفسه ذات يوم، وأصبح قدوة سيئة لمن يريد أن يقتدى به، لكنه الآن أعلن توبته «فى عز مجده» وعبر عن ندمه بكل ما يملك من وسائل التعبير، فلماذا أصبحنا من هواة تعذيب الآخرين؟ ولماذا توحشت أرواحنا مغلقين على أنفسنا باب المغفرة والمصالحة؟ لماذا تحجرت مشاعرنا وتطرفنا فى إعلان الكراهية لتشيع روح الانتقام فيما بيننا، بينما نحن فى أشد الحاجة إلى إفشاء قيم السلام والتسامح؟ نعم النادى الأهلى نادى القيم والمبادئ، لكن أليس المغفرة قيمة نبيلة؟ أوليس التسامح مبدأ راق؟ هرب الحضرى من ناديه من أجل الأموال، فليشترط النادى الأهلى على الحضرى، أن يرجع إليه بلا مقابل، ليعبر عن ندمه حقًا، وليكون الجزاء من جنس العمل، فهل يفعلها الحضرى؟ وهل يفعلها الأهلى؟