لا أخفى عليك أننى أكن بالغ المحبة والتقدير لشخص الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر العالم الفاضل «أحمد الطيب» ولعلك قرأت بعض ما كتبته فى هذه الزاوية من إشادات متعددة لقرارات الشيخ وآرائه الطيبة المستنيرة الواعية، لكنى، مع بالغ محبتى وتقديرى، لا أجد حرجا من إعلان رفضى لما ذهبت إليه هيئة كبار العلماء من رفض قاطع لمقترح السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى المطالب بعدم الاعتداد بالطلاق إلا إذا كان موثقا، وذلك اجتهادا منه لحل أزمة تفشى ظاهرة الطلاق التى دخلت إلى مرحلة الخطر منذ فترة طويلة وأصبحت من أكبر عوامل تهديد البناء المجتمعى.
ليس للأمر علاقة هنا بأن من طالب بتجديد إجراءات الطلاق وتقييدها هو الرئيس عبد الفتاح السيسى، وليس لشبهة النفاق هنا وجود، وقد مدحت الطيب فى 12 فبراير 2014 بمقال بعنوان «شكرا مولانا الطيب» حينما أصدر بيانا يهاجم فيه من يتزلفون إلى «المشير عبد الفتاح السيسى» مشبهين إياه بالأنبياء وذلك وقت أن كان وزيرا للدفاع، لكن ما يهمنى فى تلك الواقعة هو ما ظهر من خوف مريب تجاه تجديد أمر من أمور الفقه بما يتناسب مع «مصلحة المسلمين».
أصدر الأزهر بيانا طويلا يحذر فيه وينذر من «فوضى فتاوى الطلاق» بينما كان أولى به أن يحذر من «فوضى الطلاق» ذاتها، وفى بيانه لم يقدم أدلة عقلية أو نقلية تجزم برفض «اجتهاد الرئيس» وكل ما قاله هو أن الطلاق الشفوى أمر ثابت بإجماع الفقهاء و«ما استقر عليه المسلمون» ومن وجهة نظرى فإن هذا الرد يدين هيئة كبار العلماء ويصمها بالجمود، فالتجديد «تجديد» أى الإتيان بشىء يحمل الكثير من التحديث والطزاجة، وليت هيئة كبار العلماء تضع فى بالها أن عمالقة المجددين كانوا لا يهابون من أى شىء طالما كان هذا الشىء فى صالح المسلمين، وليس أدل على هذا من تجديد الإمام عمر بن الخطاب فى أبطال حد السرقة فى عام المجاعة وأبطال سهم المؤلفة قلوبهم إلى يومنا هذا ومنع توزيع الأراضى الزراعية فى الأمصار المفتوحة على جنده فى القضية المعروفة بقضية «أرض السواد» مجتهدا مع آيات القرآن ذاتها وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويؤسفنى هنا أن أقول إن الأزهر يحكم على نفسه بالفوات، متقهقرا إلى الخانة الأضعف فى معركة التجديد، سامحا للمجتمع بتجاوزه وفاتحا للـ«غير» بأخذ زمام المبادرة تماما كما تجاوزه المجتمع فى السابق فى قضيتى تحريم الرق وملك اليمين.