سؤال يطرح نفسه، بعد أن أكد الأزهر على الطلاق الشفوى واعتبره واقعاً لا محال ، هل إذا ذهبت امرأة طلقها زوجها شفويا إلى المأذون حاملة بيان الأزهر هذا و قالت له إنها طُلِّقت شفهيا و انقضت عدتها و ليس لديها شهود و تريد منه أن يعقد قرانها على آخر سينفذ ؟ قطعًا لا فهو لن يعتد إلا بوثيقة طلاق رسمية موثقة، والله لو أنها ذهبت لشيخ الأزهر نفسه لن يزوجها بدون حصولها على قسيمة طلاق رسمية ! وإذا قالت امرأة إنها طلقت شفهيا وتزوجت شفهيا هل لن تواجه عقوبة جريمة الزنا؟ قطعاً لا هى فى نظر القانون مدانة ! وهل يحميها الأزهر استناداً إلى فتواه السابقة الطلاق وقع وما دامت العدة انتهت إذًا فالزواج صحيح؟ قطعًا لا لن يحميها الأزهر من القانون فأمام القانون الوضع مختلف ! وماذا لو طلقت شفهيًا دون شهود ووفت العدة أيضًا ثم تزوجت بعقد عرفى وبشهود، هل لا تواجه عقوبة جريمة تعدد الأزواج؟ قطعًا ستواجهها ! وهل سيحميها الأزهر من القانون ؟ قطعا لا كذلك ! وماذا لو زنى زوج الأربعة بخامسة وادعى ـنه كان قد طلق إحداهن شفهيا و أنها انقضت عدته وتزوج الخامسة شفهيا ؟ هل يفلت من تهمة الزنا على اعتبار أن الرجل مالكٌ لأمر زواجه وأمر طلاقه على خلاف المرأة وطلاقه وقع بالفعل وقت أن نطق به أمامكم وأنتم عليه شهودٌ ولا تستطيعون له إنكاراً أهكذا يكون طلاق الأولى واقعًا و زواج الثانية صحيحًا وأن كلا الزواج والطلاق صحيحان شرعًا بكلمة الرجل ولا يستحق بذلك العقوبة أم ماذا ؟ لا ، لا يعتد القانون بهذا الكلام و لا يجب له ...
أوضاعٌ فقهيا حلالٌ حلال و لا يمكن إثبات صحتها قانوناً و مجرمة فى نفس الوقت و لا نرى داعياً للتغيير فليس لدينا مع هذا الخلط مشكلة !!
فى الحقيقة أنا لا أعرف لماذا نقبل هذا التناقض وهذه اللخبطة و أن يكون هناك تخاصمٌ بين مؤسسات المجتمع فمجرد القبول بوجود حقيقتين نوع من المغالطة و النفاق ! طلاق واقع لكن لا يعتد به رسميا و لا قانوناً و لا يمكن إثباته و طلاق لم يحدث و لكن قد نعتد بتصريح زوج أدلى به فى ظرف معين بأنه مطلق و متزوج فى حال التلبس بواقعة الزنا مثلاً للإفلات من العقاب ! أو مثل السويركى الذى ادعى أنه يطلق و يتزوج فى الحلال لكن أوراقه هى التى تأخر توثيقها و التى أخبرت بعدم انقضاء عدته !! و ماذا لو كان صادقاً ؟ نكون فى عرفكم ظلمنا الرجل و حكمنا عليه بالسجن !! ؟ كلها أوضاع خطأ من المشين أن نفضل الإبقاء عليها دون الاجتهاد فى الحل و كأن الشرع يضعنا فى مأزق و نكتفى بقول "منه لله الزوج الظالم" !! و الله ما ظلم إلا من ترك بابا مفتوحاً للظلم و أغلق باباً للحل حتى حين كان بإمكانه الحل، بوجود ولى أمر عاقل يفطن للأحوال الغريبة و يطالب بحسمها و غلق باب الفتنة بالتقنين !! و هل هناك غنىً عن القانون ؟ و لم تحل محله الفتاوى الشرعية و لم تغنِ ! الأزهر يعلم يقيناً أن هذا كلامٌ حق فكيف يكون هناك وضعان للطلاق ؟ وضع شرعى و وضع قانونى وأكرر أنه حتى الأزهر بشيوخه لن يتمموا عقد زواج يخالف الوضع القانونى وإن وافق الوضع الشرعى ولن يحمى الوضع الشرعى لزواج خالف الوضع القانونى و لم يوافقه !! لماذا لا نضع حدًا لهذه المتاهات التى قطعاً لا تخفى على الأزهر لماذا نغلق باب الرحمة و نتقاعس عن مساعدة امرأة وقعت فريسة فتاوى ظالمة !! و نساعد رجلاً على أن يمضى فى ظلمه !! هل تكمل امرأة حياتها مع زوج فى نظركم محرم عليها ؟ أم تتزوج بدورها شفويا من زوج فى رأيكم يحل لها و تعد فى نظر الناس و القانون ساقطة و معرضة للعقوبة و لن تجد منكم أنفسكم الحماية ؟ لماذا إذًا هذا الاضطراب وهذه البلبلة فكرة إنكار وجود حقيقتين وواقعين سخافة و استخفافٌ بالعقول أوضاعٌ شاذة فى رأيكم كيف يتم حلها ؟ ومن يحل إذا لم نفعل و يفعل ولى الأمر وهو هنا" الرئيس " ؟ أنجبر الناس للجوء إلى الأبواب الخلفية و التحايل إما على الشرع أو على القانون لأنهما لا يتفقان ؟ علماً بأنكم أنتم أنفسكم فى الأزهر لن تعتدوا بغير التوثيق القانونى لعقدى الزواج و الطلاق كى تتمموا عقد زواج آخر لمطلقة ، الطلاق مسألة هامة تنبثق أهميته فى أنه يترتب عليه ميثاقٌ آخر غليظٌ وهو "الزواج" و كى لا يكون الزواج فاسداً بعقدٍ فاسد لا يمكن ترك قضية الطلاق معلقة هكذا و ترك ما يترتب عليها من حقوق للناس معلقة يجب أن يكون أمره واضحاً محسوماً جاهز التنفيذ بحكم "موحدٍ واحدٍ أحاديٍ" وواضح متفق عليه يلتقى فيه المتخاصمون "الشرع مع القانون" ، فلا يمكن أن يقر الدين هذا التخاصم و الانقسام و لا أن يترك هكذا مسألة هامة تخص صميم حياة الناس الخاصة معلقة على هذا النحو ؟ عندما يحتمل الأمر التصديق أو التكذيب لا يكون أمامنا إلا الوثائق و المستندات و لا يختلف اثنان فى أن الطلاق أمر جلل يترتب عليه زواج و أنساب لذلك كان إثباته بالمستندات ضرورة و غياب هذا هو إقرارُ وضعٍ بين بين و تجاهل فى غير محله لموضوع لا يحمد تجاهله فلماذا إذاً هذا التجاهل ؟ منتهى البساطة أن توقفوا التطليق الشفهى و تعلنوا تقنين الوضع ، لم يكن هناك توثيق لشىء لا دواوين و لا قانون على عهد النبى كان مجتمعا بسيطاً بدائيا محدودا و كانت كل تعاملات الناس شفهية و لو كان هناك توثيق لكان النبى أول من أمر بالتوثيق و بتوحيد الوضع و لما ترك مسألة هامة كهذه تحت هذا اللغط و بغير حسم .
دفن الرؤوس فى الرمال ليس حلاً و سنسأل و تسألون .
حالنا يستوجب منا وقفة مع كثير من الأوضاع الهلامية التى لن يأتى حلها بغير القانون .ولكنها معركة أكبر بكثير من معركة طلاق سامحكم الله !!!!
* أستاذ بطب قصر العينى .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة