لثلاثة أعوام ونحن نتحدث عن الموقف السلبى من الإعلام الأمريكى تجاه العمليات الإرهابية التى تشهدها مصر، لكن لم يلتفت لما نقوله أحد، بل كان من بيننا من يستهزأ ويقول كيف لنا أن نقيم الإعلام الغربى وعلى رأسه الأمريكى.
اليوم خرج الانتقاد من رأس السلطة فى الولايات المتحدة، الرئيس دونالد ترامب الذى نصر مصر فى وجه الإعلام الأمريكى، بعدما كشف عوراته فى تغطية الأحداث الإرهابية فى العالم، فالرئيس الأمريكى ومن قلب قاعدة ماكديل العسكرية بولاية فلوريدا شن أمس الأول الثلاثاء هجوماً حاداً على الصحف والشبكات الإخبارية، متهماً إياها بالتقليل من خطر الإرهاب، وقال: إن الإعلام الأمريكى يقلل من خطر التهديد الإرهابى الذى يشكله تنظيم داعش، مؤكداً أن «التنظيم يشن حملة إبادة جماعية، يرتكب فظائع حول العالم أجمع والإرهابيين المتشددين مصممين على شن هجمات فى الولايات المتحدة كما سبق لهم ونفذوا اعتداءات سبتمبر واعتداءات بوسطن وسان برناندينو، كما نفذوا اعتداءات أيضا فى أوروبا».
حديث ترامب جاء بعد يوم من نشر البيت الأبيض قائمة، تضم 78 هجومًا إرهابيًّا، منها الهجوم الذى وقع فى أحد أسواق الكريسماس بالعاصمة الألمانية برلين، خلال شهر ديسمبر الماضى، وهى الهجمات التى أكد ترامب أنها لم تحظ بالتغطية الإعلامية الملائمة، وضمت القائمة 9 اعتداءات وقعت فى مصر، لكن لم يعرها الإعلام الأمريكى أى اهتمام، فى انتقائية واضحة تؤكد سوء النية لدى القائمين على إدارة وسائل الإعلام الأمريكية.
لقد تعودنا تحديداً منذ 30 يونيو 2013 وقوف الإعلام الأمريكى تحديداً صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وشبكة CNN، مع جماعة الإخوان الإرهابية، ورفض توصيف العمليات الإرهابية المرتبكة من أعضاء الجماعة بالإرهابية، بل فى بعض الأحيان كانوا يعتبرونها نوعا من الصراع السياسى فى مصر، وتغاضى الإعلام الأمريكى عن ذكر ضحايا العمليات الإرهابية الغادرة، إلى أن جاء تصريح ترامب الأخير وقائمة البيت الأبيض لتزيح الستار عن عملية الكذب والخداع التى كانت تمارس من جانب الإعلام الأمريكى، فنحن الآن أمام شهادة من داخل البيت، شهادة من رجل ذاق مرارة الانحياز الإعلامى، خلال حملته الاتخابية، فهو الآن يتحدث عن علم وإدراك.
حديث ترامب وقائمة البيت الأبيض يصب فى صالح مصر بطبيعة الحال، فهو يتفق مع الدعوات المتكررة التى أطلقتها مصر بضرورة تبنى المجتمع الدولى لاستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، تتسم بالاتساق وعدم الانتقائية فى جميع مكوناتها الأمنية والسياسية والثقافية والإعلامية وغيرها، كما جاء فى بيان وزارة الخارجية الذى صدر ترحيباً بانتقاد ترامب للإعلام الأمريكى الذى أشار أيضاً إلى أن الانتقائية والتحيز الذى انتقده الرئيس الأمريكى فى بعض دوائر الإعلام الغربية فى تناولها للأحداث الإرهابية لم يقتصر فقط على مجرد تجاهل بعضها، وإنما امتد ليشمل أسلوب التغطية الإعلامية لبعض تلك الاعتداءات، ففى الوقت الذى تم إبراز الدعم والتعاطف الدولى مع دول ومجتمعات تعرضت لعمليات إرهابية، وجدنا أصابع الاتهام والتقصير توجه إلى دول أخرى، مثل مصر، حينما تتعرض لعمليات إرهابية أودت بحياة العشرات، بل والمئات، مثل حادث سقوط الطائرة الروسية، أو حادث تفجير الكنيسة البطرسية الذى حاولت بعض دوائر الإعلام الغربية تصويره أنه يعكس تقصيراً من جانب السلطات المصرية فى توفير الحماية للأقباط من أبناء الوطن.
نحن إذن أمام تغيير وموقف جديد يستدعى من الإعلام الأمريكى أن يراجع نفسه مبكراً، فالقضية لم تعد مقتصرة على الانتتقادات المصرية فقط، وإنما هناك إدراك أمريكى داخلى بحجم الزيف والكذب الذى كان يمارس فى المؤسسات الإعلامية الأمريكية، كما أن هذا التغيير ربما يصب فى صالح الرؤية المصرية التى تتطلع إلى أن تشهد المرحلة القادمة نقلة نوعية فى أسلوب تعامل المجتمع الدولى مع ظاهرة الإرهاب، وأن تنجح الولايات المتحدة الأمريكية بما لها من قدرة على التأثير على المسرح الدولى فى قيادة عملية المراجعة والتغيير المطلوبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة