أعدت كل من الجمعية المصرية للأوراق المالية وشعبة الأوراق المالية والجمعية المصرية لإدارة الاستثمار والجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، دراسة بخصوص تأثيرات فرض ضريبة الدمغة على سوق المال المصرى والتى كشفت عن 10 ألغام فى ضريبة الدمغة على البورصة.
وأوضحت الدراسة أنه فى السنوات الأخيرة تغيرت تركيبة المجتمع المصرى من الناحية الاقتصادية وتزايد اضمحلال الطبقة المتوسطة وتمركز الثروات فى عدد محدود من الكيانات الاقتصادية الكبيرة واعتمدت الحكومات المصرية المتلاحقة على الموارد السيادية بنسبة كبيرة لتمويل الموازنة العامة وخطط التنمية فيما تضاءل عائد الاستثمار الحكومى أو القومى وانخفضت الجاذبية للاستثمار سواء الداخلى أو الخارجى فى ظل المنافسة الشديدة بين الأسواق الناشئة على تحسين المناخ الجاذب للاستثمار فتراجعت قدرة مصر على جذب الاستثمار، وتعظيم عوائده وما يتبعه من زيادة تراكمية فى حصيلة الدولة من الموارد والرسوم الضريبية الأمر الذى أدى إلى عدم قدرة الدولة على النهوض بسرعة بالخدمات والخطط التنموية المطلوبة لذلك، فالأمر يستلزم الآن ضرورة النظر للحفاظ على تنافسيه الجاذبية الاستثمارية المتاحة لدى قطاعات الاستثمار فى الدولة مع العمل على تنميتها قدر الإمكان.
تأثير فرض رسم الدمغة على أوضاع سوق المال المصرى
أولا:
أن الرسوم الحالية على العمليات بالبورصة والتى تسدد لإدارة البورصة المصرية والهيئة العامة للرقابة المالية وشركة مصر للمقاصة وصندوق حماية المستثمر مجتمعة أقل من نصف فى الألف كما أن عمولات شركات الوساطة فى الأوراق المالية تدور ما بين واحد واثنين فى الألف فقط أى أن الرسم الجديد سيمثل زيادة فى الأعباء على المستثمرين تتراوح ما بين 40% و65% من المعمول به حاليا مما قد يمثل عامل طرد للمستثمرين وانخفاض فى تنافسية السوق المصرى، كما أنها تعد عبء ضريبى جديد سواء على الرابحين أو الخاسرين فى المعاملات خاصة وأن أغلب المستثمرين فى السوق المصرى من المتعاملين الأفراد.
ثانيا:
ليس خافيا على أحد أن هذا الرسم يأتى فى وقت يحاول فيه السوق التعافى من مشكلات مر بها على مدار السنوات السابقة مثل (ضعف الجاذبية الاستثمارية / عدم الاستقرار / نقص السيولة / انخفاض احجام التعاملات / ضعف الاستثمار المؤسسى / خروج العديد من الشركات العملاقه من القيد بالبورصة المصرية) وهو أمر قد يؤدى إلى الإخلال بمبدأ العدالة فى توزيع الأعباء العامة للمستثمرين نتيجة تأثر هذه الصناعة الحيوية بمثل هذه الرسوم الجديدة.
كما أن أثر الرسوم على الاستثمار يعتمد على مدى الزيادة التى يحدثه فرض الرسم على الاستثمار العام بسوق الأوراق المالية فرسم الدمغة الجديد لن يؤدى إلى زيادة الطلب العام وبالتالى تعويض النقص فى الاستثمار الخاص نتيجة لفرضه، بينما يؤدى قيام الدولة بعدم فرضه إلى الحفاظ على مستويات الاسثمارات الحالية على اقل تقدير.
ثالثا:
يلاحظ أيضا أثر الرسم الجديد على صغار المستثمرين الذين يعدون القطاع الأكبر فى البورصة المصرية فإن فرضه على ذوى الدخول المنخفضة للأفراد محدودى الدخل يقلل من مقدرتهم على الاستهلاك وكذلك على الإنتاج وهو ما يؤدى إلى انخفاض مستوى الدخل القومى وبالتالى يؤدى ذلك إلى انخفاض ونقص فى الإيرادات العامة للدولة.
ولذلك فعلى صانع السياسة المالية أن يراعى إحداث قدر من التوازن بين هدفين أساسيين هما، تشجيع الادخار والاستثمار من جانب وتحقيق العدالة الضريبية من جانب آخر ولذلك فعند فرض الرسم الجديد فإن قيمة الحصيلة المتوقعة للدولة مع هذا القرار لا تتماشى مع حجم خسائر الاستثمار التى قد تترتب على تأثيراته.
رابعا:
إن مثل هذه الرسوم تفقد البورصة المصرية تنافسيتها بين الأسواق الأخرى المماثلة فكل دول المنطقة وأغلبية الأسواق الناشئة تعفى التعاملات والتصرفات التى تتم داخل أسواق المال من أى ضرائب أو رسوم لتشجيعها.
لهذا فقد يتسبب هذا الرسم فى هروب الاسثمارات من سوق المال المصرية بما يضر جذريا بحجم الاستثمارات الخارجية والداخلية المستهدفة مما يؤدى إلى انخفاض الوفورات التى كانت تتولد بالسوق ولا تؤدى فى النهاية للحفاظ على استقراره وبقاء دوره كمصدر تمويل أساسى للاستثمار فى مصر.
خامسا:
إن الرسم الضريبى الجديد يمكن أن يؤدى بصفة عامة إلى تغيير هيكل الاستثمارات، وذلك بسبب ما تؤدى إليه من توسع فى الاستثمارات الأقل خطورة والتى يمكن تصنيفها بسهولة (سحب الاستثمارات من سوق المال وتحويلها لودائع بنكية على سبيل المثال) بحيث يصبح الاقتصاد أكثر حساسية للضغوط التضخمية وأقل فاعلية استثماريا وأقل قدره تمويليا.
كما أن محدودية الحصيلة المتوقعة لا يتماشى مع التأثر السلبى للقاعدة العريضة من صغار المستثمرين الموجودين فى سوق المال المصرى والذين يعتمدون كدخول شبة ثابتة على التعاملات ونواتجها بما لا يعطى مرونة لضغوط فرض هذه الرسوم الجديدة عليهم.
سادسا:
إن جانب رئيسى من المستثمرين من المؤسسات فى سوق المال المصرى هم جهات تابعة للدولة على سبيل المثال (البنوك العامة / صناديق التأمينات الاجتماعية / هيئة البريد / الشركات القابضة / الهيئات العامة) وهو ما يعنى اتساع مساحة التأثير بصورة واضحة على موازنة الدولة من جانب آخر غير منظور من خلال انخفاض فى عوائد استثمارات الدولة بالبورصة.
سابعا:
إن قيمة التداولات بالبورصة المصرية فى المتوسط تجعل القيمة المستهدفة من تطبيق هذه الرسوم حصيلة لا توازى الأثر السلبى الذى سيحققه فرض مثل هذا الرسم الضريبى على التعاملات بسوق الأوراق المالية المصرى.
ثامنا:
أن تأثير الرسم إنما ينطوى فى الحقيقة على الحد من حجم الاستثمارات، كما أن فرضه يحتم على الدولة زيادة إنفاقها الاستثمارى للحفاظ على استقرار سوق المال المصرى لتعويض النقص فى الاستثمار الخاص، وبصفة خاصة فى القطاعات التى تأثرت بقرار فرض الرسم الجديد.
لذلك فإن محدودية العائد من هذه الرسوم للدولة – على الأقل بالنسبة لما سيحصل من الشركات المدرجة بسوق الأوراق المالية المصرية – لا يتماشى مع فقدان هذا الحجم من الاستثمارات المتوقع نتيجة لفرضها.
تاسعا:
مع الأخذ فى الاعتبار أن الشركات المدرجة والعاملة بسوق المال المصرى تعد الأكثر التزاما فى سداد الضرائب للدولة نظرا لطبيعة البورصة المصرية مما يجعل هذا الرسم بمثابة عقابا للملتزمين ضريبيا.
عاشرا:
نود الإشارة إلى أن ضريبة الدمغة المقترحه سبق فرضها فى القانون الحالى لضريبة التمغة رقم 111 لسنة 1980 بموجب المادة 88 إلا أن الشركات المدرجة بالبورصة طعنت بعدم دستوريتها ليتم إلغاء هذا البند من القانون بالكامل لتحفيز عمليات الاستثمار فى سوق المال المصرى، كما أن الطعن فى قانون ضريبة الدمغة رقم 9 لسنة 2013 والذى تم فرضه فى 29 أبريل 2013 وألغى بالقانون رقم 53 لسنة 2014.
وتمثل أساس الطعن فى عدم عدالة الضريبة المفروضة بما يؤدى لإنهيار الأساس الذى بنى عليه القانون لفرضها على اعتبار أن كل العمليات التى تتم من بيع وشراء للأوراق المالية ناتج عنها ربح وهو غير موجود أساساً، مشيرا إلى أن الضريبة أهملت جزءً هاماً جداً وهو طبيعة البورصة كسوق للمضاربات، ينتج عنها مكسب أو خسارة بما يعنى تحمل الخاسر تكاليف إضافية لخسارته ورفع تكاليف العمليات.
كما أن الضرائب المثيلة فى عمليات البيع والشراء فى جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى تكون مقابل أرباح، ويتم تحديد حد أقصى لها، مما يشير إلى توجيه الدولة للاستثمارات بشكل جبرى نحو قطاعات بعينها، لتصادر حق الخصوصية والذى كفله الدستور، بحرية الملكية والاستثمار.
وخلصت الدراسة إلى أن السياسات المالية إذا لم تتعامل بحرص مع قطاعات الاستثمار فإنها قد تسبب فى انكماشا اقتصاديا، كما أن القرارات الاقتصادية يجب دراستها من منظور العائد منها مقارنة بحجم التكلفة التى سيتكبدها الاقتصاد نتيجة لها قبل اتخاذها. وطالبت الدراسة وزارة المالية بضرورة إنهاء إصدار تعديل قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة، وإرساله لمجلس النواب؛ لمناقشته وإقراره قبل انتهاء مدة التأجيل فى 16 مايو المقبل.
كما أوصت بأنه لإتاحة الفرصة لاستيعاب السوق للتطورات الجديدة التى يمر بها وعلى رأسها الطروحات المزمع تنفيذها من جانب الحكومة، نوصى بألا يتجاوز سعر الضريبة 1 فى الألف على التعاملات وهو الحد الأقصى الذى من الممكن أن يتحمله السوق حاليا وسيساهم تعافى السوق خلال الفترة القادمة ودعم الدولة له فى زيادة الحصيلة المتوقعة منه للدولة.
وأكدت جمعيات سوق المال أن أى زيادة فى سعر الضريبة سيؤدى إلى تراجع إحجام السيولة بالسوق، ومن ثم عدم جمع الحصيلة المستهدفة من قبل الحكومة، كما نشير إلى أن استقرار البورصة ودعمها ببرنامج الإصلاح الاقتصادى وتحرير سعر الصرف أدى إلى عودة الاستثمار الأجنبى وزيادة تدفقاته على السوق إلى نحو 500 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر فحسب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة