ناجح إبراهيم

فى رحاب النجاشى

الأربعاء، 01 مارس 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

النجاشى وعدله ورفقه كان السبب للقاء الأول بين المسيحية والإسلام

 
 
«منذ أن وطأت أقدامى أديس أبابا ظللت أفكر فى النجاشى» ملك الحبشة المعروف، كنت ومازلت متيماً وعاشقاً لهذا الملك العادل، قلت لنفسى: كيف يكون هناك حاكم فى هذه القرون السحيقة والبلاد البعيدة يملك هذا العدل والحكمة والإنصاف والتجرد والزهد، أى مدرسة تخرج منها هذا الملك، أى تجربة حياتية مؤلمة أو صعبة أو سعيدة هانئة صقلت قلبه وعقله بمعانى العدل، لقد كان النجاشى سبباً فى دخول الإسلام إلى أفريقيا، وكانت بلاد الحبشة «إثيوبيا وإريتريا» هى أولى البلاد الأفريقية التى دخلها الإسلام، وذلك بفضل عدل النجاشى ورحمته، النجاشى يعد أيقونة للعدل والحكمة والرحمة، هو يفوق مانديلا، لأن الأخير جاء فى عهد الديمقراطية والحريات والتعددية، النجاشى وعدله ورفقه كانوا السبب للقاء الأول بين المسيحية والإسلام، التقى الدينان فى هذه البلاد قبل أن يلتقيا مرة أخرى فى مصر.
 
كان والده ملكاً على الحبشة، وكان شقيق الملك له عشرة من الأولاد، النجاشى لقب للحاكم هناك مثل فرعون فى مصر، صاحبنا كان اسمه «اصخمة بن أبحر»، تأمرت النخبة على الملك الأب، اتفقوا مع شقيقه على قتله ثم توريث الملك لأولاده العشرة بحجة استقرار المملكة بدلاً من توريث الملك للطفل الصغير، كان النجاشى وقتها طفلاً صغيراً حينما قتل أبوه الملك، باعوه كـ«عبد» بثمن بخس فى بلاد بعيدة، قصته تشبه إلى حد كبير قصة سيدنا «يوسف» عليه السلام، بعدها بسنوات مات الملك العم فجأة، بحثت النخبة السياسية والعسكرية عن ملك جديد بين أولاد الملك العم، وجدوهم ما بين أحمق أو فاشل إدارياً أو شارب للخمر أو ضعيف لا يقوى على إدارة المملكة، لم يجدوا حلاً سوى إعادة صاحبنا النجاشى الشاب الصغير الذى عركته وصقلته التجربة المؤلمة فصار حكيماً رغم صغر سنه، جرب النجاشى الظلم فعرف قيمة العدل، رأى القسوة فأحب الرحمة والعفو، عاد ملكاً، نيلسون مانديلا يشابه تجربة النجاشى السجن أسهل من العبودية والنفى، سجن مانديلا جعله إماماً فى الرحمة والعفو، والزهد فى الحكم، رفض النجاشى أن ينتقم لمقتل أبيه الملك من أولاد عمه، القاتل مات ولا ذنب لهم، كأنه كان يعرف مغبة الانتقام والدماء.
 
جاء الاختبار الثانى حينما رفضت النخبة أن ترد على التاجر المال الذى اشترى به «النجاشى الصغير العبد»، هددهم بالذهاب له بعد أن صار ملكاً، لم يكترثوا بالأمر ظنوا أن الملك لن ينصفه، خاب ظنهم بعدما أمرهم النجاشى أن يعيدوا إليه أمواله، توالت اختبارات العدل الصعبة، فكان ينجح دائماً، ذاع صيته فى العدل حتى وصل إلى الجزيرة العربية، سمع عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم، العدل أيقونة ونور وضياء سواءً صدرت من مسيحى أو مسلم أو علمانى أو اشتراكى أو ليبرالى أو بوذى أو هندوسى أو يهودى، العدل ضياء ونور يضىء الكون كله، أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعض أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة والعلة ليست دين أو مذهب أو عرق الملك، ولكن لأنه «ملك عادل لا يظلم عنده أحد»، كان هذا أول لقاء أفريقى بين الإسلام والمسيحية.. وأول دخول للإسلام لإفريقيا، لولا عدل النجاشى وحلمه ما حدث ذلك.
 
جاء عمرو بن العاص، قبل إسلامه، برشاوى كثيرة للنجاشى وحاشيته ليغريهم بتسليم الصحابة المهاجرين إلى قريش، وقد سأل عن كل ما يحبه النجاشى وأحضره له، ولكنه رد هذه الهدايا، وقال بحسم كلمات رائعة: «إن الله لم يأخذ منى رشوة حين رد علىَّ ملكى»، وقال للصحابة: «أنتم شيوم عندى، أى آمنون عندى». وقد حاول عمرو بن العاص بشتى الطرق إيغار صدر النجاشى ضد الصحابة، ولكنهم كانوا من الحصافة والذكاء فى الرد على أسئلة النجاشى ما جعله يسلم سراً ويتعاطف معهم، وعندما ثار قومه عليه، لأن خبر إسلامه شاع بين الناس جهز النجاشى سفينة عند شاطئ البحر الأحمر وقال للصحابة: إن حدث لى مكروه فارجعوا بلادكم، وإن لم يحدث فعودوا مرة أخرى، ثم ذهب إلى قومه الذين احتشدوا ضده فامتص غضبهم بذكاء نادر، وهذا يدل على أن الحاكم لا يستطيع كل شىء وأنه له وسع وللمجتمع وسع «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»، ولا مجتمعاً إلا وسعه، وقد سألت عن قبر النجاشى فوجدته فى مدينة «مقلى» التى تبعد قرابة ألف كيلو متر عن العاصمة، وقبور بعض الصحابة حوله، ويعقد كل عام احتفال بالنجاشى يحضره عشرات الآلاف من المسلمين الذين يذهبون لزيارة قبره، تمنيت أن أزوره ولكن المسافة بعيدة جداً، والمشاغل كثيرة.
 
قلت لنفسى: هل عدل حاكم واحد يبقى أثره كل هذه القرون، هل أثره يتعدى الأزمان والأقطار، هل محبة أهل العدل تسرى هكذا بسرعة البرق، سلام على «النجاشى» الملك العادل الرحيم فى عليين. 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة