محمد الدسوقى رشدى

عَظّم شهيدك أو لا تفعل.. أنت الخاسر الأكبر!

الجمعة، 10 مارس 2017 08:17 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس من العدل تساوى الأيام، اليوم ليس كما غيره، وغيره ليس كما اليوم، لكل يوم علامة، بعض الأيام تميزها علامات شرف وبطولة، وبعض الأيام تكرر نفسها بعلامات من الفشل، وكثير من الأيام مرورها عابر بلا حدث يميزها.
 
يزرو القلب وجع وحسرة حينما يمر يوم تميزه علامة شرف وبطولة، مرور الأيام العابرة، وتلك أزمة 9 مارس.
 
وقف البطل المصرى عبدالمنعم رياض على أرض الجبهة الأمامية فى مواجهة العدو تمامًا وهو يعلم خطورة ذلك، ولكن ما فى قلبه أهم مما يعلمه، فى قلبه شجاعة تخبره بأن وطنًا مجروحًا وممزقًا بعد نكسة مفاجئة فى حاجة إلى مشهد يلملم جراحه، مشهد لقائد بين جنوده فى قلب جبهة ملتهبة، وكأنه يخبر جميع المحبطين بأن دمه الطاهر فوق تلك الرمال سينادى كل ذرة ثأر وهمة فى نفوس المصريين، لكى يكملوا مسيرة استرداد الكرامة دون توقف، وتحقق له ما أراد بحرب استنزاف لم ترحم العدو، وعبور فى السادس من أكتوبر حطم أسطورة كان العالم يظن أنها لا تقهر، ومن هنا تحول يوم استشهاده بطلًا شجاعًا إلى يوم الشهيد 9 مارس.
 
هذا وطن محفوظ ببركة دم الشهداء الطاهر، تحفظه دماء التضحية قبل الخطط والبرامج والدراسات والبحوث والأموال، ذلك عهدنا مع الأيام، تخبرنا فى كل أزمة بأن بركة ما فى باطن هذه الأرض تنجى هذا الوطن مما يسقط فيه غيره، لكننا مهملون عمدًا أو عن دون قصد، مهملون فى تخليد شهدائنا، مهملون فى تحويل قصصهم وبطولاتهم إلى أساطير لا تنسى، ننفق الملايين على برامج وأفلام ومسلسلات لا تسجل بطولاتهم، نهدر الملايين على شوارع وطرق وميادين لا تحمل أسماءهم وصورهم، ننفق الملايين على عمليات تطوير عشوائية لمناهج تعليم لا تحمل قصص تضحياتهم.
 
فى شوارع إيران مثلًا كل شىء ينبض بالثأر، هل أدركت المعنى؟، ليس مهمًا أن تدرك شيئًا، المهم معرفة أن كل متر مربع فى شوارع إيران لا يخلو من صورة لشهيد، قائمة طويلة من الشهداء تطاردك بوجوهها أو بأسمائها أو بقصصها فى كل مكان.. شهيد كربلائى، وآخر من عصر الرسول عليه الصلاة والسلام، وآخر من شهداء الثورة الإسلامية، ورابع وخامس وسادس من شهداء الحرب مع العراق، وحتى شهداء التدريبات العسكرية، أو المراسلون الإعلاميون الذين سقطوا أثناء تغطية حرب حزب الله مع إسرائيل قبل سنوات من الآن، بينما هنا فى مصر مازال المحافظون وأعضاء المحليات ورؤساء الأحياء يمارسون تعنتهم فى إطلاق أسماء شهداء الجيش والشرطة فى معركة الوطن مع الإرهاب على مدارسنا وشوارعنا والميادين المختلفة.
 
لى فى أرض سيناء أحبة، رجال يقاتلون فى سبيل وجه الله والوطن، لا يبتغون من وراء قتالهم مغنمًا ولا شهرة ولا نفوذًا، كالذى يبحث عنه أهل السياسة والإعلام من خلف قتالهم المزيف والمصطنع على الشاشات.
 
أحدهم ترك البشرية وألقى فوق كاهلى أنا بحمل ثقيل، وصية من عدة سطور، أتمنى يومًا ألا أنشرها وألا تخرج من غمدها، تذكرتها اليوم وأنا أقرأ وصية الشهيد محمد هارون بما فيها من كل بساطة، تؤكد أن الرجال الحقيقيين الذين يدافعون عن هذا الوطن هناك فى رملة سيناء وليس الشاشات، فى سيناء أبطال من لحم ودم، وفى عالم السياسة والإعلام أبطال من ورق.
 
على الشاشات يقاتلون لخدمة رجال الأعمال على حساب الوطن، وفى سيناء لم يجد الشهيد هارون أغلى من دمه ليقدمه هدية لمصر، قائلًا فى نص وصيته: «أوصيكم عند موتى أن تعجلوا بدفنى ولا تأخروا لقائى بربى، وألا تقبرونى إلا بعد تسديد ديونى، وهى كالآتى: قسط العربية لبنك القاهرة، والأسطى جمال الأسترجى ميدو يعرفه ليه 1000 جنيه، وأخرجوا مبلغا كبيرا عنى علشان لو فيه ديون ناسيها، كما أوصيكم إن كان أخى أحمد إبراهيم هارون موجودًا بأن يصلى على الجنازة، لأنه سيكون أكثر ألما وحزنا، ودعاؤه سيكون خالصا طويلا، وفى هذه اللحظة أنا فى أمس الحاجة إلى الدعاء».
 
أتذكر الآن وصية صديقى وأبكى، كأنهم ينسخونها نسخًا ليضربوا لنا معنى بأنهم غير طامعين ولا عابئين سوى بشىء واحد فقط، هو حماية هذا الوطن وأهله، أعرف ذلك جيدًا، فلقد كان صديقى يوم تخرجه فى الكلية الحربية رجلًا آخر غير الذى أعرف.. استبدلوه، أخذوه منا عودًا أخضر، وأعادوه إلينا شجرة جذرها راسخ فى أرض، يؤمن تمامًا بأن دمه وروحه سر ثباتها، ودرع حمايتها من أى زلزال قادم.. صديقى الآن يخدم فى أرض سيناء، يهاتفنى من هناك لأطمئن مع كل دفقة حماس فى صوته أن هذه أرض لا يمكن لأحدهم أن يلوثها مادام هو ومن معه حراسًا لها، وأطمئن منه تمامًا حينما أسمع جملته المعتادة: «هم بيخططوا لاغتيال الروح المعنوية، سلاحنا الأكبر والأقوى، بس مش هيقدروا، عارف ليه؟! عشان كل واحد فينا مستعد إنه يتشال على إيد زميله أو زميله يشيله، وكل واحد فينا عارف إن زميله مش هيسيب تاره ولو بعد حين».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة