يحيى الرخاوى: أحترم مدعى النبوة والمهدى المنتظر ولا أنكر السحر والمس.. أستاذ الطب النفسى: نجيب محفوظ عالجنى.. والإبداع والكتابة أحسن علاج للأمراض النفسية.. وهذه أغرب قصة قابلتنى فى عملى

الجمعة، 10 مارس 2017 05:11 م
يحيى الرخاوى: أحترم مدعى النبوة والمهدى المنتظر ولا أنكر السحر والمس..  أستاذ الطب النفسى: نجيب محفوظ عالجنى.. والإبداع والكتابة أحسن علاج للأمراض النفسية.. وهذه أغرب قصة قابلتنى فى عملى يحيى الرخاوى
حوار - أميرة شحاتة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جمع بين صفات الطبيب والمبدع والفيلسوف، واستمر عطاؤه ولا يزال منذ 54 عامًا، بدأها بالحصول على دبلوم الأمراض الباطنة، ثم دبلوم الأمراض النفسية والعصبية، والدكتوراة فى الطب النفسى بكلية طب قصر العينى، حتى وصل رئيسًا لقسم الطب النفسى بجامعة القاهرة.
 
 
 سجل حافل من الإنجازات العلمية والطبية فى مصر والعالم يمتلكه الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى، فهو عضو مؤسس للكلية الملكية للأطباء النفسيين، وقام بالتأهيل النفسى للأديب الراحل نجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله، وحاصل على جائزة الدولة التشجيعية للرواية.
 
 
وخلال الحوار التالى تحدث الدكتور يحيى الرخاوى عن تجاربه المختلفة فى عالم الطب النفسى والجرائم النفسية، وفجّر العديد من المفاجآت حول التفسير النفسى لمس الجن، وادعاء النبوة، والأمراض النفسية المرتبطة ببعض المعتقدات الدينية، وتأثيرات أعمال السحر والشعوذة، وتجربته فى علاج أديب نوبل نجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله، والعديد من القضايا المرتبطة بالأمراض النفسية فى مصر،

وإلى نص الحوار..

 
 

لك خبرة فى العمل بالطب الشرعى.. فما أكثر القضايا التى واجهتها تعقيدًا، وما أبشع الجرائم المرتبطة بالأمراض النفسية؟

- أصعب القضايا التى واجهتها كانت قضية شاب فكر فى الانتحار، فقرر قتل والده ووالدته بالمنصورة، خوفًا على مشاعرهما حين ينهى حياته، وأجّل تنفيذ قرار انتحاره حتى يقتلهما أولًا، ثم سافر إلى دمياط لينفذ انتحاره بجوار صخرة كانت له عندها ذكريات، لكنه لم يستطع لأسباب تتعلق بأداة الانتحار، فذهب إلى قسم البوليس يطلب من الضابط أن يكون حضاريًا ويعطيه مسدسه حتى ينتحر به.
 
القضية الثانية كان المتهم فيها طبيبًا سودانيًا مشهورًا فى الخرطوم،  وقتل أربعة إخوة بحرق متجرهم المؤجر فى عمارته عمدًا وهم بداخله، حين رفضوا أن يخلوه ليهدم العمارة ويقيم مكانها برجًا، وكان المتهم يشغل منصبًا مهمًا فى نقابة الأطباء، وتحفظ الزملاء الأطباء هناك من أن يعاينوا حالته، فطلبت المحكمة خبراء أجانب، وتم انتدابى مع المرحوم الدكتور يحيى الطاهر، أستاذ الأمراض العصبية بقصر العينى، لأداء المهمة، وذهبنا إلى الخرطوم ودرسنا الحالة، وكان القرار بمسؤولية الطبيب مسؤولية كاملة عن جريمته، وكان الإعلام يترصد وينتظر النتيجة، لشهرة الطبيب، ولكون الضحايا ينتمون لقبيلة كبيرة.
 
 

ما أبرز الأمراض النفسية التى تنسب لأعمال السحر والشعوذة؟، وكيف تتعامل مع الحالات التى تشكو من إصابتها بمس الجان؟

- كل الأمراض النفسية يمكن أن ينسبها أصحابها لأعمال السحر والشعوذة، وأغلب الأمراض التى تقع تحت مسمى الهيستيريا، والتى تسمى الآن الاضطرابات الانشقاقية، يعزوها الأهل والثقافة الشعبية إلى أعمال السحر والشعوذة أكثر من غيرها.
 
 
أما إيمانى الشخصى بالسحر والشعوذة فهو افتتاح علمى يفسر الظاهرة من منطلق آخر، مبنى على انتمائى إلى نظرية «تعدد الذوات» داخل الكيان البشرى الواحد، وبالتالى فأنا حين أقبل الفكرة الأساسية، أقوم بشرحها للمريض بأسلوب سهل، وأقدم له بالموافقة من حيث المبدأ بأنه «ملبوس»، لكنه «ملبوس» من داخله وليس من خارجه، وعادة ما تنجح هذه الطريقة لو قدمت التفسير باحترام صادق ودعوته للتفكر فيه، وكثير من المرضى يقبلون ذلك أكثر من أقاربهم ومن سائر الناس.
 
 

ما الأمراض النفسية المرتبطة بالعقيدة الدينية؟، وهل تختلف فكرة ادعاء النبوة والمهدى المنتظر والوساوس الدينية حسب الديانة؟

- لا توجد ديانات يمكن أن تعزو إليها أمراض بذاتها، لكن فى كل ديانة هناك معتقدات وطقوس وأفكار تصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المنتمين إليها.
 
 
 
وفكرة ادعاء النبوة أقل تواترًا من فكرة المهدى المنتظر، وهذه الأخيرة موجودة بأسماء متنوعة فى كل الديانات تقريبًا، السماوية وغير السماوية، وإذا كانت تسمى عند المسلمين المهدى المنتظر فلها أسماء تقابلها فى الديانات الأخرى، وعمومًا أتعامل مع هذه الظاهرة باحترام لأننى أعتبرها تعبيرًا- وإن كان مرضيًا- عن الرغبة فى القيام بدور لهداية الناس.
 

لا يمكن أن نغفل دورك فى علاج الأديب نجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله، فكيف كانت التجربة بالنسبة لك؟، وكيف جعلته يستعيد قدرته على الكتابة؟

- هذه شائعة لا أصل لها، وقد نفيت هذه الصفة مرارًا، فلا أنا قمت بتأهيل هذا العملاق الرائع، ولا أنا جعلته يستعيد قدرته على الكتابة، بل لعل العكس هو الصحيح، فهو الذى عالجنى، وصحح  لى كثيرًا من آرائى وأخد بيدى وضمّد جراحى، وشجعنى بطيبة وتلقائية وأبوة لا مثيل لها، أما أنى جعلته يستيعد قدرته على الكتابة فلا وألف لا، لأنه هو الذى بدأ تدريباته حتى دون أن يستشيرنى أو يخطر أحدًا من أصدقائه.
 
 أما دورى فى هذه الجزئية فهو أننى كنت أتابع ما يكتب يوميًا تقريبًا لمدة سنوات، وهو يواصل ذلك بإصرار عجيب برغم ضعف نظره وقصور حركة يده وذراعه نتيجة للحادث، فراح يواصل حتى كتب أغلب أحلام فترة النقاهة بيده شخصيًا.
 
أما استعادة قدرته على الكتابة الأدبية فلا يرجع الفضل فيها إلا لله، ثم له شخصيًا، ومعايشتى هذه التجربة يومًا بيوم علمتنى الكثير عن معانى الإصرار والمثابرة واستحالة خفوت الإبداع، ناهيك عن ضرورته تحت أى ظرف من الظروف بالنسبة للمبدع الحقيقى، لأن الإبداع هو حياته، وكل وجوده، وهل هناك مبدع حقيقى أبدع من نجيب محفوظ؟!
 
وقد قمت بجمع «الكراريس» التى تدرب فيها لاستعادة قدرته على الكتابة، الواحدة تلو الأخرى، ثم سلمتها بعد رحيله إلى لجنة الحفاظ على تراثه التى تفضلت بإعطائى لدراستها وكتابة تداعيات التدريب، وقد بلغت حتى الآن مئات الصفحات، ونشرت كثيرًا منها فى موقعى الخاص.
 

جائزة الدكتور يحيى الرخاوى السنوية للإبداع.. من أين جاءت فكرتها؟، وما معايير التقدم لها والمكافأة المقررة للحائز عليها؟

- هى جائزة سنوية باسمى يمنحها قسم الطب النفسى بكلية طب قصر العينى، وهى ليست مقصورة على الإبداع، وإنما جائزة الإبداع إحدى أربع جوائز، كل جائزة عشرون ألف جنيه، أما الجوائز الثلاث الأخرى فهى عن حالة علاج نفسى، وأخرى عن بحث علمى إكلينيكى، والرابعة عن حالة إكلينيكية نادرة ثـم تتبعها لمدة كافية، وقد تم إطلاقها منذ أربع سنوات، لكنها تضاعفت حتى وصلت للقيمة المذكورة هذا العام.
 

يقولون إن «الكتابة علاج نفسى».. هل هذه الجملة صحيحة؟، وإذا كانت فأى نوع من الكتابة؟

- الإبداع عامة، وليس الكتابة بوجه خاص، هو المتنفس الحقيقى لحركية الذات الداخلية الدائمة النبض، وصلاح جاهين يقول «يا عندليب ما تخافشى من غنوتك.. كتم الغنا هوّا اللى حايموتك»، لكن فى الوقت نفسه قد يكون الإبداع كتابة، خاصة فى الشعر، ونوعًا من التفريغ بديلًا عن الثورة التى تعتبر إبداعًا جماعيًا لازمًا فى بعض الأحيان، ولا يصح أن نجهضها فى الكتابة أو الشعر، لأنهما مجرد مؤشرين للتغيير، لكن الثورة هى إبداع جماعى يؤدى إلى فعل التغيير.
 

انتقالًا من الكتابة إلى التنمية البشرية، هل تعتبر بالفعل مكملًا للطب النفسى وقرينًا له؟

- من الخطأ اعتبار التنمية البشرية قرينة للطب النفسى، أما كونها مكملة لبعض أنواع التطبيب النفسى فهذا جائز، فالتنمية البشرية تركز على حفز وتعديل السلوك، وتنمية القدرات للمرضى والأصحاء بمناهج محددة وبرامج منتظمة تصلح للأسوياء وغير الأسوياء أحيانًا، أما الطب النفسى فيوجد فى بعض أنواع علاجاته ما يسمى العلاج السلوكى المعرفى، وقد يتقابل ذلك قليلًا أو كثيرًا مع بعض مناهج التنمية البشرية، لكن الطب النفسى يتعامل مع المرضى أساسًا، ولعل بعض الذين يتصورون أن التنمية البشرية هى علاج لأمراضهم يهربون من شبهة الوصم بالمرض النفسى.
 

ومتى يتقبل الشعب المصرى فكرة المرض النفسى والتوجه للطبيب النفسى؟

- للأسف، لقد تقبل الشعب المصرى فعلًا فكرة المرض النفسى والتوجه للطبيب النفسى أكثر مما ينبغى، حتى يمكن وصف هذا التوجه بما يسمى «نفسنة المجتمع»، ويشارك الأطباء النفسيون- بغير قصد- فى هذا بشكل أو بآخر، حتى أصبح الكثير من السلبيات تُعزى إلى مرض نفسى أو عقدة نفسية بدلًا من مواجهتها على أنها سلبية ثقافية أو فردية تحتاج إلى تقويم مجتمعى وأخلاقى ودينى أكثر مما تحتاج إلى طبيب نفسى وحبوب وتسكين، فالطالب الراسب يبرر رسوبه هو وأهله ليس بأنه «بليد» ومقصّر، ولكن لأن عنده عقدة نفسية من مدرس المادة التى رسب فيها، وهكذا.
 

هل يوجد دعم مادى لإعانة المريض النفسى على المعيشة من جانب الدولة؟

- المريض النفسى المصرى مثله مثل سائر المرضى فى مصر لا يتمتع بتأمين صحى يتيح له العلاج الضرورى، مثلما يحدث فى أى من البلاد المتقدمة الثرية، فما بالك بدعم مادى على المعيشة، وإن كنتُ قد لاحظت بمتابعتى لما يجرى فى الدول التى تعطى هذا الدعم مباشرة أو حتى عن طريق شركات التأمين التى تقوم بهذا الدور، سوء استعمال هذا الحق بشكل متواتر جعل بعض المرضى يعتمدون على مثل هذا الدعم، ويتوقفون عن العمل، لأن من شروط هذا الدعم غالبًا أن يكون المريض عاجزًا عن إعالة نفسه بنسبة كبيرة، وبالتالى تتقافم حالته سلبيًا نتيجة لما نسميه «ضمور عدم الاستعمال»، حيث إننى أعتبر أن العمل هو العلاج الأساسى لكل أو أغلب الأمراض النفسية، خاصة فى مجتمعنا.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة