كعادتها، تصدر القمم العربية فى مارس من كل عام عشرات القرارات التى تحولت بفعل التكرار إلى بديهيات للعمل العربى المشترك، من بينها ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلى والأراضى العربية التى مازالت تحت قبضة تل أبيب وفى مقدمتها الجولان ولبنان، حيث يصدر عن القمة العربية سنويا قرار يساند الجيش والمقاومة اللبنانية فى مواجهة العدو، وهو الأمر الذى أصبح مهددا هذا العام فى القمة العادية المرتقب عقدها الشهر الجارى بالأردن.
التهديد بدأت بوادره فى الظهور من اجتماع وزراء الخارجية العرب الذى عٌقد فى القاهرة منذ أيام قليلة للتحضير لجدول أعمال القمة، حيث حمل اللقاء وللمرة الأولى خلافا حول القرار المتعلق بدعم بيروت فى مواجهتها مع تل أبيب، وتسربت الأنباء سريعا من خلف الأبواب المغلقة فى الجامعة العربية عن خلافات بين السعودية ولبنان بشأن مشروع القرار حيث تحفظت الرياض وساندتها بعض الدول الخليجية على "بند التضامن مع الجمهورية اللبنانية "بالكامل كما أدرج فى جدول أعمال الاجتماع، وهو الأمر الذى أثار انقساما ما بين مؤيد ومعارض.
مشروع القرار اللبنانى، الذى قدمته بيروت إلى مجلس الجامعة العربية لاعتماده على مستوى وزراء الخارجية العرب، يتضمن الترحيب بانتخاب الرئيس ميشال عون كخطوة حاسمة لضمان قدرة لبنان على مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، كما ينص مشروع القرار على "التأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلى التى هى حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولى وعدم اعتبار العمل المقاوم عملا إرهابيا".
سحب للمظلة العربية عن بيروت
المراقبون على الساحة اللبنانية فسروا الموقف السعودى المفاجئ بأنه سحب للمظلة العربية عن بيروت فى ذروة التهديدات الإسرائيلية نحو لبنان، بل ذهب آخرون الى حد اعتباره مظلة لأى تحرك "إسرائيلى" قادم، خاصة أن تل أبيب قادت فى الفترة الماضية حملة ضارية ضد حزب الله ولوحت الى حرب وشيكة مع لبنان بعد تعاظم خطر الحزب الشيعى على الدولة اليهودية.
وما حدث داخل قاعات الجامعة العربية ليس إلا تجسيدا واقعيا للتوتر الصامت الذى يشوب علاقات الرياض وبيروت، هذا التوتر ظهر فور إعلان الرئيس اللبنانى ميشال عون أن سلاح حزب الله هو مكمل لدور الجيش اللبنانى ولا يمكن الاستغناء عنه طالما يوجد تهديد إسرائيلى للأراضى اللبنانية، وهى التصريحات التى نسفت الأحلام الوردية بحزمة مساعدات خليجية للبنان وجيشها عقب التفاهمات التى جرت بين البلدين فى أول زيارة رئاسية للسعودية.
تصريح عون وقع على الحفاء الخليجيين كالصاعقة، فالعام الماضى دول مجلس التعاون فرضت حظرا متعمدا على بيروت بسبب تجاوزات حسن نصر الله الأمين العام للحزب فى حق الرياض وانتقاده للحرب التى تخوضها فى اليمن وامتناع لبنان من التصويت على قرارات عربية تدين حرق السفارة السعودية فى طهران، وتم قطع العلاقات الدبلوماسية والهبة السعودية للجيش اللبنانى وتطويق السياحة الخليجية لبيروت.
ويبدو أن العلاقات عادت مجددا للمربع صفر، حيث قالت مواقع لبنانية أن رهان المملكة على إخراج الرئيس عون من تحالفه مع حزب الله عند جلوسه على كرسى بعبدا سقط، ويبدوا أن الخليج يقود حربا نفسيه ضد بيروت بعد دعم عون لسلاح المقاومة، حيث نشرت بعض الصحف الخليجية خبر انتشر سريعا عن تأجيل الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة كانت مقررة إلى بيروت خلال شهر مارس الجارى.
إمتصاص الغضب الخليجى
وبناء على تلك المعطيات يبدو أن السعودية ستنقل المطاردة من جامعة الدول إلى العاصمة الأردنية عمّان حيث ستعقد القمة العربية، وهناك سيناريوهان لمرور الأحداث الاول أن تمضى الأمور بشكل سلس وينجح الوفد اللبنانى فى إمتصاص الغضب الخليجى، أو المواجهة وخسارة العهد الجديد فى لبنان للدعم العربى الذى بدأ يحصل عليه فى الشهور الأولى له، بعد أن استطاع الرئيس عون أن يسوق نفسه بأنه رئيس لبنانى لجميع اللبنانيين وليس محسوبا على أى طرف إقليمى.
المحيطون من الرئيس عون بدءوا يستشعروا الغمامة التى خيمت على العلاقات عقب اجتماع القاهرة، وحاول لبنان الرسمى تدارك الأمر قبل تفاقم الأزمة حيث صرح الرئيس عون خلال اجتماع مجلس الوزراء الآخير تأييد والتزام لبنانى بالقرار الدولى 1701 والذى صدر فى 2006 عن مجلس الأمن عقب الحرب اللبنانية الإسرائيلية، ويختص بوقف اطلاق النار وانسحاب اسرائيل من الجنوب اللبنانى ونزع سلاح المقاومة، وهو ما اعتبرته الصحف اللبنانية تراجع عونى فى اتجاه الخليج.
وعقب ذلك تصريح سعد الحريرى رئيس الحكومة والذى أكد "نحن كحكومة واضحون عبر البيان الوزارى فى ما يتعلق بالقرار 1701، وكذلك فى ما خص علاقة لبنان بالدول العربية، وجميعنا اليوم يعلم أن هناك امور نختلف بالرأى فى شأنها، ولكن علينا ان نضع هذا الاختلاف جانباً والاهتمام بشؤوننا الداخلية وتحقيق مصلحة لبنان اولاً"، ثم مغازلة وزير الخارجية جبران باسيل للمحيط العربى مؤكدا عزم لبنان على العودة إلى لعب دوره فى العالم العربي، لافتاً إلى أنّ الموقف الخليجى الإيجابى يؤمن حماية عربية إضافية للبنان ويؤكد أنّ العرب وخصوصاً دول الخليج متضامنون معه، معتبرا أن الحاضنة العربية هى ضمانة للبنان ، وقال : “نشهد تعاوناً أكبر من دول الخليج العربى يؤكد العودة إلى موقفها الطبيعى بالتضامن مع لبنان.
وتبقى الأنظار اللبنانية والخليجية متجهه نحو القمة العربية التى تستضيفها الأردن نهاية الشهر الجارى، لتحديد الخارطة التى ستسير عليها العلاقات اللبنانية الخليجية مستقبلا، ولهذه الغاية يعكف قصر بعبدا فى بيروت الى صياغة خطاب هادئ للرئيس اللبنانى أمام القادة العرب يرى المراقبون أنه سيرتكز بالأساس على خطاب القسم الذى ألقاه يوم تنصيبه فى أكتوبر الماضى والذى شهد اجماعا عربيا واقليميا ودوليا فتحت على إثره دول الخليج أبوابها له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة