ماهر المهدى

كوميديا الأسياد : سيت داون فى داهية بقى !

السبت، 11 مارس 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال : نحن ننتقيهن من قلب الريف البعيد فى تلك البلاد حتى لا يهربن من الخدمة حين يحللن هنا فى بلدنا للعمل فى منازلنا . هذا طبعنا . ربما تعذر عليك فهم ما أقول ، ولكن لا عليك . كنا – أنا ومضيفى - بصدد الحديث عن العاملات المنزليات الأجنبيات فى بلد شقيق أثناء زيارتى لها ، بسبب ما لاحظته من صعوبة فى التفاهم معهن . ولم يبد على أننى فهمت مغذى ما قال محدثى ، لأنه يتعارض مع المنطق البسيط . اذ من الطبيعى أن يستأجر المرء من الناس من يكون أكثر تعليما وأعمق فهما وتجربة ليسهل التعامل معه على الأقل . فراح الرجل يشرح ما ذكر من قبل بشكل مختلف ، فقال : نعم نحن نقصد فى اختيار عاملات المنازل أن يكن من مناطق ريفية لا تعليم فيها ولا ثقافة ولا لغات ولا يحزنون حتى تعشن فى خدمتنا دون نازع الى انقطاع أو فرار . وأنهى محدثى كلامه ثم استدار ليعالج أمرا من الأمور فى مكتبه دون أن يأبه لعلامات الدهشة التى علت وجهى . ولم يكن المجال يسمح بنقاش هذا التتفكير، وان سأنى كثيرا أن أقترب من فكر قد يشابه فكر الاستعباد القديم . فما الفرق بين هذا الشكل الحديث وذاك الشكل القديم ؟! ربما غابت القيود والجنازير ولكن حلت محلها العقود والمكر الكبير . وبعد أن كان النخاسون تجارا يبيعون كل شىء من أجل المال صاروا تجارا ومحامين يكيدون للراغبين كيد الشياطين ، وينتهى الأمر بالضحية مستعبدة ومكبلة بالقوانين والمسافات والديون المعوقة والحاجة والأمل . 
 
غادرت مكتب الرجل مسرعا ، وقد احتل الهم قلبى بعدما فهمت سرا مفزعا لم أسع اليه ، وان شغل بالى فى أوقات متباينة وكلما ألقيت الى مسمعى قصة مؤلمة لإحدى بناتنا فى تلك الدول الشقيقة . وما أكثر تلك القصص وما أشدها حيرة وما أغلظها ألما لتعلقها – فى كثير من الأحوال - ببنات صغيرات لم يكدن يشببن عن الطوق ، ولم يكدن يعرفن للحياة معنى ولا شكلا ولا لونا ، حتى وجدن أنفسهن يسقن – برغبتهن – الى أقفاص للعبودية الجديدة فى بلاد أخرى وداخل اقفاص من الجدران السميكة والأسوار العالية والقوانين المركبة التى تحتاج الى لطف الله وحوله وقوته لتكون من أجل الناس . فنخاسو العصر الحديث بارعون فى خرق القوانين بلا صوت ولا صورة ، وماهرون فى تدبر أشكال كثيرة للخديعة . فإذا كان عقد العمل قد أصبح محل رقابة وتحر وفحص وتحميص من جهات ووزارات كثيرة ، فلا داعى اذا لهذا العقد أو القيد المفضوح المثير للمتاعب . وما الضير اذا فى اللعب بعقد الزواج وتزيينه وتجميله وإغلاقه على كل الشروط والظروف المطلوبة والتى تجعل عقد الزواج أقسى وأطول وأعقد وأرخص من عقد عمل أو عقد نخاسة يحرك الناقدين والمشككين ؟! بل ما اجمل عقد الزواج فى ملعب تجارة النخاسة وما أسهله من وسيلة لنيل المراد ، بينما الجمع يرقص ويغنى ويشجع الضحية ويزينها أمام أهلها أجمعين ويسوقها فى سعادة الى خاطفيها مستعبديها فى سلام وحبور . فمقابل بضعة آلاف من الجنيهات المصرية التى لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وشبكة ذهبية بخيسة الثمن يقبل بعض الآباء فى قرى مصرية صغيرة بعيدة لا عمل فيها ولا موارد رزق أن يزوج ابنته المراهقة الى عجوز سقيم أو شاب عاجز أو شاب معاق ذهنيا أو شاب معاق جسديا ، وبذلك يخلص من عار البنت وعبئها ، بينما تبدأ تعاسة ابنته ولسنوات مديدة وراء الجبال والتلال والبحار والأسوار والأبواب الكثيرة والحرمان والاهانة . وعندما تفيق الابنة فى محبسها من الحلم الكاذب الذى زينه لها أبوها والخاطبة والمحامى الخبيث ، تكون سجينة وراء أبواب كثيرة ومجردة من الأوراق التى تثبت شخصيتها وتثبت حقها ، ومجردة من الحقوق ، ومن الثياب الا ما كان عليها . واذا حاولت الهرب كان ذلك عليها وبالا . وإذا نجحت فى الهروب من محبسها فى غفلة من خاطفيها الماكرين نائمى الضمير الذين ارادوا أن يشتروا لابنهم المعاق خادمة ببلاش لتعيش تحت أقدامه طوال عمره كسيرة ذليلة ، صارت هاربة طريدة ، وصارت سارقة مجرمة فى بلد غير بلدها ، وصارت عروسة بلا عريس وبلا مستقبل . وصار عليها أن تجابه شروط عقد الزواج الذى عقده الشياطين الأبالسة ليعجز البنت عن الهروب من ورطتها الوخيمة الأليمة .
 
لا شىء فى هذا يضحك ولا يسر . ولكن أحدهم اشتكى من فتاة اقتناها من بلد أسيوى مر الشكوى ، فقال وهو يتميز من الغيظ : يا أخى لقد عذبتنى هذه الشغالة ولا أدرى لها حلا . فهى غبية لا تنجز شيئا ، واذا صرفتها لا تنصرف أبدا ولو حادثتها بالانجليزية . فاذا طلبت منها ألا تحضر شيئا راحت وجاءت بما لم أطلب . واذا طلبت منها أن تحضر غرضا جاءت بغيره . فاذا جن جنونى وصرخت فيها من قلبى لتختفى من أمام وجهى : امشى غورى سيت داون بقى ، جلست فى مكانها ولم تتحرك رغم غيظى وصراخى المتواصل . ولا عتاب على البنت المسكينة طبعا – كما هو واضح – لأن صديقى العزيز يصرخ فيها ويطالبها بالجلوس وليس بالانصراف ، والفزع يتملك الرهينة المسكينة . 
 
أيا كانت الأوضاع الاقتصادية قاسية ، وجب على الدولة وعلى المجتمع أن يحميا بناتنا من مخاطر وإجرام مدبرى عقود الزواج الاستعبادى ، وأن يوجها الأسر إلى حتمية تقدير بناتها وعدم الانسياق وراء عروض السفر المغرضة الى الخارج . حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها الى الخير . 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة