لا يمكن أن نلوم هؤلاء الذين تعاطفوا مع المتهم بسرقة الشيكولاتة، ولا نلوم من انحازوا ضده ورفضوا من البداية تبرير السرقة أو الدفاع عنها، لكن اللوم على عادات التعاطف «على الناشف»، وأن يتحول البعض إلى قضاة، يصدرون أحكاما بالبراءة أو الإدانة من دون انتظار التحقيقات، أو البحث عن الحقيقة، بل إن البعض سارع بتسييس البراءة أو الإدانة.
من تعاطفوا فعلوا هذا بناء على ماورد إليهم أن الشاب إياه سرق «شيكولاتاية» واحدة تلبية لطلب ابنه الصغير، وأنه استجاب للابن. تعاطف كثيرون بناء على هذه الصورة الإنسانية التى لا شك تهز القلب وتدغدغ المشاعر، هناك من رفضوا التعاطف وتبرير السرقة، وقالوا من البداية أن الشيكولاتة ليست طعاما ضروريا، وأن الأب يعلم أولاده السرقة، ولا يعلمهم العفة.
لاحظ أن بعضا من تعاطفوا مع الشاب استدعوا مقولات ضخمة، وصلوا بها إلى عام الرمادة عندما أوقف الخليفة عمر بن الخطاب الحدود، آخرون أعلنوا أن من يسرق ملايين يتم تبرئته ومن يسرق «شيكولاتاية» يتم القبض عليه، وكالعادة تم استعمال المقولات الضخمة، فى حادث لم تظهر بعد ملامحه ولا أبعاده، لدرجة أن إعلاميا انفعل «معشوشبا»، وهو يستنكف القبض عليه وهو يسرق شيكولاتاية لابنه.
التعليقات والتعليقات المضادة تقوم بناء على عناوين، ونجح الشاب فى توظيف الحالة العامة للتعاطف «على الناشف» التى تتلبس الرواد فى مواقع التواصل، ممن لا يهتمون كثيرا بما وراء العناوين، أو حتى ينتظروا معرفة الحقيقة فيندمجون فى حالة من التعاطف الإنسانى تتجاوز الخاص إلى العام.
بعد أن نتجاوز الانطباع الأول، تبدأ التفاصيل ، الأمر لايتعلق «بشيكولاتاية» واحدة، لكن بكمية ضخمة من الشيكولاتة جمعها المتهم بشكل احترافى، وتتجاوز ما طلبه الابن المزعوم لتشكل عملية سرقة كاملة الأوصاف، ونقول الابن المزعوم لان الشاب لديه بنات كبار، وهناك صحف موثوقة نقلت أن الشاب منفصل عن أسرته ولا ينفق عليهم.
الشاب ظهر فى الفضائيات، واكتفى بإعلان أن الفيديوهات والصور التى سجلت السرقات، مفبركة. وهنا بدأت الصورة تتغير، لكن المفارقة أنه قبل كل هذا بعض القنوات والنشطاء، حولوا المتهم إلى «روبن هود»، وكادوا يحولوه إلى بطل أسطورى ممثل للثورة، لولا أن التفاصيل كانت دامغة والأدلة تضمنت سوابق مسجلة بالصورة للشاب وهو يمارس هوايته فى جمع الشيكولاتة من فروع أخرى، وأن ضبطه تم بناء على صور تم توزيعها ضمن جروب خاص بالمحل.
قى قصة الشيكولاتة، قليلون من اعترفوا بخطأ الحكم قبل المعرفة، لكن الأمر يتعلق بحالات تتكرر، وبحسن نية أو سوئها يبرر البعض الجريمة ويمتهنون المصطلحات الكبيرة.