اختلف عدد من الأدباء والنقاد والمثقفين مع الشاعر والناقد شعبان يوسف، على ما جاء فى كتابه "ضحايا يوسف إدريس وعصره"، حيث اتفق المناقشون للكتاب على أنه بحاجة إلى تدقيق المعلومات التى أوردها، خاصة أنه ظلم يوسف إدريس وصلاح عبد الصبور وطه حسين وغيرهم من الأسماء، مطالبين دار النشر بإخضاع الكتاب للتدقيق فى حال إصدار الطبعة الثانية منه، وفى الوقت نفسه رأى البعض أن ما قام به شعبان يوسف هو إلقاء حجر فى مياه الدعوة لإعادة قراءة التاريخ المصرى بأكمله.
جاء ذلك خلال الندوة، التى نظمتها أمانة المؤتمرات فى المجلس الأعلى للثقافة، ضمن سلسلة ندوات "كاتب وكتاب"، والتى ناقشت كتاب "ضحايا يوسف إدريس وعصره"، للشاعر والناقد شعبان يوسف، والصادر عن دار بتانة للنشر، فى القاهرة، وشارك فى الندوة كل من: الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب السابق، أستاذ الأدب الحديث، بكلية الآداب، جامعة عين شمس، والمهندس أحمد بهاء الدين شعبان، والدكتور محمد الشحات، وأدار الحوار الكاتب نبيل عبد الفتاح، واعتذر عن المشاركة الناقد الدكتور شاكر عيد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، نظرًا لظروف صحية ألمت به.
وقال نبيل عبد الفتاح، فى اعتقادى أن هذا الكتاب من الكتب المهمة التى تحدثت عن يوسف إدريس، باعتباره أيقونة القصة القصيرة، وتكمن ميزة هذا الكتاب فى تقديرى فى العديد من الأسئلة التى يطرحها، فيما يخص العلاقة بين الثقافة والسياسة، أو فيما يخص الكاريزما، فالكتاب يشكل أحد العناصر المحركة لجيلنا الأدبى، وما يفرضه فى الكتابة النقدية، لإعادة النظر فى تاريخنا الأدبى، وتحديدًا فيما يخص القصة القصيرة، وهل كان الأمر مرتبطًا بعلاقة يوسف إدريس بالسلطة المتسلطة فى هذا الوقت.
وأضاف "عبد الفتاح": إننا فى هذا الكتاب نجد أنفسنا أمام سؤال: هل كاريزما يوسف إدريس أم علاقته بالسلطة هى التى مكنته من هذه المكانة، أم أن لغته الخاصة هى التى جعلته متفردا؟، والعديد من الأسئلة التى تفتح باباً للأسئلة التى تؤكد على جدية الكتاب، فأى كتاب لا يختلف عليه فكأنه لم يكن.
وقال شعبان يوسف، إن الأمر ملح فى التاريخ الثقافى أو السياسى بشكل عام، فلقد سألت نفسى سؤالاً وتوقفت أمامه، يتمثل فى تاريخ القصة القصيرة، إلا أنه أعدم، وأصبحت القصة القصيرة تقاس من بعده، ولا أحد يتحدث عن واقعها قبله، فى حين أن الرواية مثلاً لم تكن موجودة قبل نجيب محفوظ، ولكن الواضح أن الأيديولوجية تلعب دورا كبيرًا فى هذا، فاليسار الذى أنتمى إليه، لعب دورًا كبيراً فى هذه الانقسامات، فمثلا أصبح أحمد عبد المعطى حجازى أسطورة الشعر، وقام بتهميش أسماء كثيرة بناء على ذلك.
وأضاف شعبان يوسف، فى ظنى أن يوسف إدريس كاتب كبير، ولكن حينما التقيت الراحل فاروق عبد القادر، قال لى إن يوسف إدريس سيبقى من أعماله خمس قصص فقط، ووقتها ذهلت جدًا، ولكن الواضح أن السياسة تلعب دورا كبيرا فى التهميش وفى الحياة الثقافية، ولهذا رأيت أن الكتاب محاولة للنبش فى هذا التاريخ.
وقال الدكتور أحمد مجاهد: إننى أعتز بكل ما يكتبه شعبان يوسف، وما أن أمسكت بهذا الكتب لم أتركه من يدى نظرًا لإعجابى به، وأتفق معه فى كل المعلومات التى ذكرها، ولكنى أختلف معه فى أمور كثيرة، وأول هذه الأمور هو وضع الكاتب فى ميزان النقد، والذى يعتمد فى المقام الأول على أعماله، أما تاريخه الثقافى فأمر ثانى، فعنوان الكتاب قاسى جدًا، وينسب ليوسف إدريس جريمة ليس له دور فيها.
وأشار أحمد مجاهد، إلى أن شعبان يوسف كان قاسيًا على يوسف إدريس، الذى وقع ضحية للنظام السياسى فى ذلك الوقت، كما أشار إلى ما ذكره "شعبان" فى مقدمة الكتاب من تفسير أيديولوجى للمكان الذى سكن فيه إدوارد الخراط ويوسف إدريس، واختلفت مواقع الأدوار بين ما جاء فى المقدمة وفى صفحات الكتاب فيما بعد، إلا أنه طبقا للواقع فإن إدوار الخراط لم يسكن على الإطلاق فى الدور الأرضى كما ذكر شعبان يوسف فى كتابه.
ورأى أحمد مجاهد أن شعبان يوسف ظلم الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، كثيرًا، مؤكدًا أنه ليس صحيحًا على الإطلاق ما ذكره "شعبان" من أسماء قصائد تمتدح السلطة، كما أنه مشى وراء المقاولات التى رأت أن صلاح عبد الصبور كان مبتسمًا فى نثره وحزينا فى شعره، أو أنه كان "فى الحجر السلطة أو بعض الأحزاب"، وهو ما يعد ظلمًا قاسيًا من شعبان يوسف تجاه صلاح عبد الصبور.
وختم أحمد مجاهد كلمته بالتأكيد على أن اختلافه مع ما جاء فى كتاب شعبان يوسف لا ينفى أهمية الكتاب، ولا يلغى كون شعبان يوسف ناقدًا يسعى ويعمل، موجهًا الشكر له على ما قدمه فى كتابه، الذى لم يتركه بمجرد أن شرع فى قراءته.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد الشحات، إن من قرأ الكتاب يدرك ما يمكن أن نسميه من مكر معرفى، والأسئلة التى يفرضها الكتاب، فهو كتاب ممتع وثرى ينطوى على قدر كبير من تاريخ الأدب، فهو يتحرك بين التاريخ الأدبى، والتاريخ الثقافى، فهو لا ينطلق من أرضية التاريخ الأدبى، بل من تلك المسافة البينية بين هذه الأرض وتلك، وهو ما يبدو واضحًا من تخفف الكاتب من التوثيق والمصادر، وهو ما أعلنه فى بداية الكتابة من حيث تعامله مه الظاهرة، وهى هنا متمثلة فى يوسف إدريس كظاهرة فى المرجعية الثقافية وتحديدًا بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ كمرآة للواقع فى هذه الفترة.
وأضاف محمد الشحات، أنه على الرغم من نشر بعد نصوص الكتاب كمقالات، إلا أن شعبان يوسف خلق له سياقًا جديدًا، ليتم التعامل مع يوسف إدريس كظاهرة فى سياق مرحلة ما، وبعدما كان شعبان يوسف يتحدث عن يوسف إدريس كظاهرة، إذا به يجعل من عناوين فصول الكتاب ظاهرة جديدة، صنعها هو، وهو ما يعنى أن شعبان يوسف كمؤلف توفرت لديه النية فى جعل يوسف إدريس ظاهرة ليتحدث عنها، ولهذا وجدنا أن الكتاب ليس أكاديميًا كما أعلن "شعبان" متخففًا منها، على الرغم من أنه لو كان كذلك، لكان أفضل، بدلاً من أن يتم إطلاق الجمل كأحكام، مضيفا "كنت أتمنى أن يعتمد على الوثائق ليعطى للكتاب ثقله.
ورأى محمد الشحات أن إيجابيات هذا اللون من الدراسات أو الكتابات التى جاء كتاب "ضحايا يوسف إدريس وعصره" أنها تشكك فى المركز، وتقدم ثراء للمعلومات، وتنتصر للهامش، واعتماد تقنيات البناء السردى فى الكتابة، والشخصية الرئيسية فيه، وكذلك الثانوية، والحرص على القبض على القارئ من خلال عملية التشويق، ولكن يبقى كل هذا معلقًا أمام إعلان الكتاب كرؤية للظاهرة.
وقال محمد الشحات: "إن ما أحزننى فى هذا الكتاب درجات القسوة أو الوصف المتسرع البعيد عن التأنى والميل إلى التأويل على حساب التفسير، مثلما جاء فى الكتاب من وصف لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، بأنه استخدم سلطته الثقافية والأكاديمية لإقصاء زكى مبارك، وهناك الكثير من هذه المقولات التى ظلمت الكثير، كما انتقد "الشحات" التكرار الذى جاء فى الكتاب، مفسرًا ذلك لأن فصول الكتاب الـ ١٦ كانت عبارة عن مقالات، وهو ما ورد واضحًا فى كل فصل ينتهى بجملة "سوف نتابع ذلك إن شاء الله.
ودعا "الشحات" ناشر الكتاب، الدكتور عاطف عبيد، صاحب دار بتانة للنشر، والشاعر والناقد شعبان يوسف إلى مراجعة وتدقيق وتوثيق كافة المعلومات والوقائع فى حال القيام بعمل طبعة ثانية للكتاب، لأن يكون جديرًا به وباسمه فى الحياة الثقافية والدور الذى يلعبه.
وقال الدكتور أحمد بهاء الدين شعبان: لقد قرأت هذا الكتاب فى جلستين، فهو بالغ العذوبة، ومن الكتب التى يصعب تركها من أن تبدأ فى قراءتها، وتنبع أهميته من الحديث عن يوسف إدريس ومكانته فى القصة القصيرة، وأننا بحاجة إلى إعادة قراءة التاريخ المصرى بأكلمه، فأغلب من نقرأه الآن تاريخ "مزيف"، فمن يملك مقاليد السطلة يكتب التاريخ، وتاريخ مصر دائمًا ما يتم العبث فيه، وإذا أراد الشعب المصرى الخروج من الأزمة فعليه أن يعيد قراءة تاريخه، ومن هنا أجد شعبان يوسف ألقى بحجر فى هذه المياه.
ورأى "بهاء الدين شعبان" أن الأهمية الثالثة لهذا الكتاب تنبع من كونه كتابًا لشعبان يوسف الذى يعد ظاهرة فى حد ذاته، وله دور كبير فى دعم الحركة الثقافية، من خلال ورشة الزيتون الثقافية، التى يقوم بها بدعم ذاتى.
واختتم نبيل عبد الفتاح الندوة بشكر الشاعر والناقد شعبان يوسف على كتابه، الدى يؤكد على ضرورة إعادة قراءة التاريخ المصرى مرة ثانية، وإعادة كتابة الظواهر الثقافية والسياسية، وأهمية دراسات تطور نظم الأفكار فى مصر، مؤكدًا على أن هناك العديد من الشخصيات التى تم تهميشها قصرًا، أو كانت هى بالفعل مهمشة. وفى ختام الندوة عبر شعبان يوسف عن سعادته بهذه الندوة، مشيرًا إلى أنه يدرك جيدًا أن كتاباته تثير العديد من الإشكاليات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة