"أيها المسئول السابق احترس فمهما طال الزمن ومرت السنون على فسادك وتورطت فى قضايا فساد، فإن الرقابة الإدارية تدركم أينما تكونوا".. لعل هذا هو لسان حال الفترة الحالية التى تشهدها الدولة المصرية بشكل غير مسبوق فى ملاحقة الفاسدين ومحاربة آفة الفساد التى تنخر فى الاقتصاد المصرى.
ولم تكن واقعة القبض على محافظ حلوان الأسبق لتورطه فى قضية رشوة هى الأخيرة، وإنما بداية قوية لملاحقة جميع المسئولين السابقين الذين تورطوا فى قضايا فساد، فى حقبة زمنية تكتب سطرا تاريخيا فى سجل معارك "الرقابة الإدارية" ضد الفساد.
وفى هذا الصدد.. وحتى يتسنى لتلك المؤسسة العصماء القيام بأفضل دور لها لقتل تلك الآفة المسماة بالفساد، لم يقتصر دور الرقابة الإدارية على ملاحقة فساد المسئولين الحاليين، بل أن يدها امتدت لتطول المسئولين السابقين فى الدولة، الذين تورطوا فى قضايا فساد سواء مالى أو إدارى إنفاذاً لدولة القانون.
وبما أن القضاء على الفساد المتفشى بمؤسسات الدولة يحتاج تضافر جهود الجميع، وليست الرقابة الإدارية وحسب، أهابت الأجهزة الرقابية بالمواطنين الإبلاغ عن أية وقائع فساد سواء حالية أو سابقة للتحقيق فيها، وتقديم المتورطين لجهات التحقيق، فى إطار تلك الحرب الشرسة على الفساد، التى لا تقل خطورة عن الحرب ضد الإرهاب، والتى يقودها الأشخاص الذين يحاولون نهب أموال البلاد.
وفى ظل تضافر الجهود، والعمل المتواصل لهيئة الرقابة الإدارية خلال الفترة القليلة الماضية، تم الكشف عن العديد من قضايا الفساد، التى قدمت متهمين كثر إلى الجهات القضائية لمحاكمتهم بعدما ثبت تورطهم فى نهب أموال الشعب، واستغلال نفوذهم فى تضخيم ثرواتهم، غير مبالين بحاجات المواطنين البسطاء، حيث لم تقتصر تلك الحملات على ضبط ومراقبة المسئولين الحالين فى الجهاز الإدارى للدولة، بل ذهبت أبعد من ذلك، من خلال فحص ملفات المسئولين السابقين، فكشفت عن قضايا فساد بالجملة وتمكنت من الإيقاع بأصحابها بعدما ظنوا أنهم بمأمن عن المسألة.
محافظ حلوان يسقط فى قبضة محاربى الفساد
حازم القويضى، محافظ حلوان الأسبق، وأحد من هؤلاء الذين سقطوا فى قبضة هيئة الرقابة الإدارية، بعدما كشفت تحرياتها عن حصوله على سيارة مرسيدس "350 S" تبلغ قيمتها ما يقرب من المليون جنيه رشوة، مقابل تخصيص قطعة أرض مساحتها 800 م بشارع 9 بالمعادى لشركة سيارات، بدلا من طرحها بالمزاد أثناء فترة شغله منصبه، وتم عرضه على نيابة الأموال العامة العليا، التى قررت إخلاء سبيله بكفالة مالية 2 مليون جنيه على ذمة التحقيقات، أو تنفيذ حبسه 15 يوما احتياطيا.
وسبق واقعة القبض على محافظ حلوان الأسبق، ضبط رئيس قسم أملاك الدولة بالوحدة المحلية لمركز ومدينة كفر الدوار السابق لاتهامه بتسهيل الاستيلاء على 18 فدانا من أملاك الدولة بقرية زهرة مركز كفر الدوار تقدر قيمتها بـ113 مليون جنيه، بعدما حاول رفع مساحة الأرض من "أملاك دولة" إلى أراض خاصة بالشهر العقارى، فضلاً عن سماحه لشخص آخر بسداد مبلغ 105 آلاف جنيه لأكثر من 700 متر من أراضى الدولة فى الوقت الذى يبلغ فيه سعر تلك الأرض الحقيقى مليون وخمسون ألف جنيهاً، وتزويرها فى كشوف أراضى الدولة وتحصيل مبالغ مالية دون موافقة اللجان المشكلة للتقدير وبدون إجراءات أو عرضها على اللجان المختصة.
ملايين الجنيهات تهدر فى "أملاك الدولة" بالفيوم
وفى محافظة الفيوم وبالتحديد مركز طامية، نجح رجال الرقابة الإدارية فى ضبط رئيس مجلس المدينة السابق هو ومدير إدارة الأملاك ومدير التنظيم بالوحدة المحلية؛ لاتهامهم جميعاً بتسهيل الاستيلاء على أراضى أملاك الدولة، تقدر قيمتها بملايين الجنيهات، وأصدر تراخيص مخالفة للبناء عليها، وتمت احالته للنيابة العامة بالفيوم، التى قررت اخلاء سبيله بكفالة مالية قدرها 5 آلاف جنيه وبضمان محل إقامته، وما زالت القضية قيد التحقيق بنيابة طامية.
تحويل مجمع عيادات لمستشفى خاص مقابل رشوة كبيرة
وكان لهيئة الرقابة الإدارية دوراً كبيراً فى كشف بواطن الفساد، التى استشرت فى عهد نظام الحزب الوطنى المنحل، حيث نجح فى ضبط برلمانى أسبق ووكيل لجنة الصحة الأسبق عن الحزب الوطنى المنحل، بعدما كشفت تحرياتها عن اتفاقه مع مسئولى العلاج الحر بوزارة الصحة لتحويل مجمع عيادات مملوك اليه، إلى مستشفى خاص لبيعه لأحد المستثمرين، مقابل رشوة مالية كبيرة وذلك بمنطقة أبراج أغاخان على النيل بشبرا، وذلك أثناء تقديمه رشوة مالية قدرها 30 ألف جنيه لمدير العلاج الحر بمديرية الشئون الصحية بالقاهرة.
تراخيص البناء المخالفة على الأراضى الزراعية تضع أسيوط بقبضة الرقابة الإدارية
وفى محافظة أسيوط نجحت الهيئة فى ضبط مدير الإدارة الهندسية لمركز ومدينة الفتح السابق، والذى تم نقله مؤخرا إلى الإسكان، بعدما أشارت التحريات إلى تورطه فى إصدار تراخيص للبناء على أراضى زراعية بالمخالفة القانون، وشكلت الهيئة لجنة من المختصين فى هذا الشأن ضمت المساحة والزراعة والإدارات الهندسية، وبدأت فحص الرخص الصادرة منه ومعاينة المواقع على الطبيعة، ومقارنتها بالخرائط والأحوزة العمرانية، والتى انتهت إلى أن التراخيص صدرت بالمخالفة، وأن المبانى خارج الأحوزة العمرانية.
خبير أمنى يروى كواليس الكشف عن الفاسدين
وبدوره، قال اللواء دكتور علاء عبد المجيد، الخبير الأمنى، إن عمليات ملاحقة المسئولين السابقين المتورطين فى قضايا فساد، تعطى رسالة قوية لهم بأنهم لن يفلتوا من العقاب، وأن يد الرقابة الإدارية تدركهم أينما كانوا، خاصة أن الرقابة الإدارية تضرب بيد من حديد على كل الفاسدين، وتخوض معركة قوية ضد قضايا الفساد، وحققت فى هذا الصدد نجاحات كبيرة، أثمرت عن استعادة ملايين الجنيهات للدولة، التى استولى عليها مسئولين مستغلين مناصبهم فى التربح ومساومة الغير على المال فى سبيل إنهاء بعض الأمور غير مشروعة.
وأضاف الخبير الأمنى، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن الرقابة الإدارية لم تتوقف عند المسئولين الحاليين وإنما فتشت فى أوراق من سبقهم بناءً على بلاغات من المواطنين الشرفاء، أو معلومات تصل للأجهزة الرقابية.
وتوقع الخبير الأمنى، أن الفترة المقبلة ستشهد العديد من القضايا الساخنة التى تكشف عنها الرقابة الإدارية التى يعمل رجالها كخلية نحل فى جميع المجالات، لكشف أية فساد فى جميع الوزارات والهيئات على حد سواء، وأن تأتى حملات الرقابة الإدارية بثمارها المرجوة خلال الفترة المقبلة للقضاء على الفساد تدريجياً فى ظل الملاحقات المستمرة للمتورطين فى هذه القضايا.
ونوه الخبير الأمنى، إلى أهمية تعاون المواطنين مع الجهات الرقابية خاصة الرقابة الادارية وتقديم بلاغات عن أية معلومات يحصلوا عليها عن مسئولين تلقوا رشاوى وأضروا بالمال العام، ووقائع الفساد التى يتورط فيها المسئولون لتسهيل أمور غير قانونية للغير، خاصة فى المدن الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة