استعدت الحكومة برئاسة سعد زغلول باشا لافتتاح البرلمان يوم 15 مارس «مثل هذا اليوم» 1924، وتسابقت الصحف فى التنبؤ بما سيكون عليه، وظهرت شائعات كان من بينها كما يقول «أحمد شفيق باشا» فى «حوليات مصر السياسية 1924» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»: «قيل أن إنجلترا أرادت الاطلاع على نص خطبة العرش، ونفى دولة رئيس الوزراء سعد باشا هذه الإشاعة نفيا تاما».
غير أن الافتتاح واجه مشاكل طريفة خاصة بزوجات الوزراء الذين سيحضرون، بالإضافة إلى لبس الوزراء وتقبيل يد الملك، وبدأت أزمة «زوجات الوزراء» من طبيعة الدعوة التى وجهتها الملكة نازلى زوجة الملك فؤاد إليهن لحضور حفل الافتتاح، وحسب مصطفى أمين فى كتابه «من واحد لعشرة» عن «كتاب اليوم - القاهرة»، جاء فيها: «تحضر السيدات بـ«اليشمك»، وكان أغلب زوجات الوزراء من الفلاحات، أو من بنات الشعب اللاتى لا يعرفن هذا اليشمك المكتوب فى الدعوة الملكية، وهو عبارة عن قطعة قماش أبيض تلفه السيدة حول رأسها كالعمامة، ويسقط على وجهها فلا تظهر منه إلا العينان، ويثبت بعدد من الدبابيس بطريقة تخفيها عن العيون، ويحل محل البرقع الأبيض الذى اعتادت النساء الشرقيات أن يضعنه فوق وجوههن.
يضيف «أمين»: «أسقط فى يد زوجات الوزراء، وأرسلت «صفية زغلول» زوجة سعد زغلول السيدة «هدية بركات» زوجة الدكتور بهى الدين بركات لتعليم زوجات الوزراء الطريقة العويصة لارتداء اليشمك، فوالد «هدية» فى وقت من الأوقات كان ناظر الخاصة الملكية، وكان شقيقها «عطا عفيفى بك» تشريفاتى السلطان، وهكذا اكتسبت خبرة فى طريقة ربط اليشمك».
يذكر «أمين»، أن زوجة فتح الله بركات باشا، وزير الزراعة، رفضت أن تتعلم ربط اليشمك، وقالت إنها سيدة فلاحة، تريد أن تعيش فلاحة وتموت فلاحة، ورفضت أن تحضر الافتتاح حتى لا تضع على وجهها هذه «المسخرة»، أما حرم نجيب الغرابلى باشا، وزير الأوقاف، ففشلت فى التعلم، وطلبت من «هدية» أن تربط لها «اليشمك» فى اليوم السابق للافتتاح، وبقيت طوال اليوم ساهرة وعلى رأسها «اليشمك» إلى أن جاء موعد الاحتفال فذهبت به.
لم تكن حيرة الوزراء بأقل من حيرة زوجاتهن، فحسب تأكيد «أمين» اقتضت التقاليد أن يرتدوا فى الافتتاح ثوب التشريفة الكبرى، وهى عبارة عن «بدل» سوداء موشاة بالقصب، وتتدلى منها سيوف نحاسية، بالإضافة لوضع الأوسمة والنياشين الممنوحة من الملك، وكان الخياط الإيطالى «ديليه» هو المتخصص فى صنع هذه الملابس، وتولى تعليمهم كيفية ارتدائها، وأفهمهم أن السيوف تتدلى من الجانب الأيمن، والوشاح يعلق فى الكتف اليسرى ويتجه إلى تحت الإبط، وشرح لهم المكان الذى يعلق فيه الوسام، لكن المفاجأة جاءت فى أن الوزراء نسوا كل هذه التعليمات يوم الافتتاح، فارتدى وزير الوشاح بالمقلوب، وعلق آخر السيف إلى يساره بدلا من يمينه، ووضع ثالث الوسام تحت عنقه بدلا من صدره، وأنقذ الموقف الوزراء القدامى، حيث اصطحبوا زملاءهم الجدد إلى غرفة جانبية وعدلوا لهم ملابسهم.
كانت هناك أزمة أخرى فجرها الملك فؤاد، حيث لاحظ أن الوزراء محمد سعيد باشا، وتوفيق نسيم باشا وأحمد مظلوم باشا قبلوا يد جلالته، أما باقى الوزراء الوفديين فاكتفوا بالانحناء وصافحوا الملك، فتجهم وجهه واعتقد أن سعد باشا هو من يقف وراء ذلك، واستدعى الملك «نسيم باشا» وقال له: إننى سكت لأن سعد باشا لا يقبل يدى لأنه أكبر منى سنا، ولأنه يتصور أنه فوق البشر، ولكننى لا أسكت على أن يرفض الوزراء الهلافيت تقبيل يدى، إن جميع رؤساء حكومات مصر ووزرائها كانوا يقبلون يدى منذ جلست على عرش مصر، هؤلاء الوزراء الذين أظهروا قلة الأدب كانوا أفندية وبكوات وجعلتهم باشوات، فهل هذا جزائى؟
نقل «نسيم باشا» ما قاله الملك إلى سعد باشا، فرد: «أنا لم أصدر للوزراء أمرا بعدم تقبيل يد الملك، ولكن لو سألنى الوزراء، لقلت لهم: عندما كنت وزيرا فى عهد الخديو عباس «الثانى» لم أقبل يده، وعندما كنت وكيلا للجمعية التشريعية فى عهد السلطان حسين كامل لم أقبل يده، وأنا لا أفرض الكرامة على أحد وهم أحرار فى أن يقبلوا يده، أما إذا كان يريد أن يشترى الوزراء بألقابهم فإننى لا أمانع فى أن يجردهم من هذه الألقاب، ومستعد أن أقترح تقليدا دستوريا بأن يكون الوزراء بلا ألقاب ماداموا أعضاء فى البرلمان، قل لجلالة الملك: «تقبيل الأيدى ليس دليل الإخلاص».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة