ميديا هتلر 2017.. " دويتش فيله " لغم تحت قدم ألمانيا .. المؤسسة الألمانية تخصص 250 مليون يورو لدعم مواقع إعلامية مجهولة فى مصر .. لماذا تغض البصر عن جرائم الإرهاب بينما تفصل صحفياً بسبب بوست على "فيس بوك"

الخميس، 16 مارس 2017 06:17 م
ميديا هتلر 2017.. " دويتش فيله " لغم تحت قدم ألمانيا .. المؤسسة الألمانية تخصص 250 مليون يورو لدعم مواقع إعلامية مجهولة فى مصر .. لماذا تغض البصر عن جرائم الإرهاب بينما تفصل صحفياً بسبب بوست على "فيس بوك" دويتش فيله

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مؤسسات صحفية وتليفزيونية مصرية وشخصيات عامة ورموز يشاركون فى أجندة "دويتش فيله"

مؤسسة "DW" تتبنى نظريات هتلر وجوبلز وتعمل منذ 1953 بأفكار ما قبل 1945

الولادة من رحم الهزيمة تقود خطوات المؤسسة الإعلامية الضخمة عبر 64 سنة

أدبيات الدعاية والشحن العاطفى والتأطير والاجتزاء تحكم برامج "دويتش فيله" وتغطياتها الصحفية

 

«يد تغسل الأخرى»، هكذا لخص الألمان فى أمثالهم الشعبية تلك المساحة الرمادية، التى تنتهى فيها المساعدة وفق علاقة مشروعة، ويبدأ الفساد والتداخل المثير للريبة، يلامسه أو يقترب منه بدرجة كبيرة المثل الإنجليزى الشهير «يحدد اللحن من يدفع أجر العازف»، الذى يصلح قاعدة عامة مجردة لقراءة كثير من المواقف والانحيازات، هكذا ببساطة ومباشرة يمكنك اكتشاف الخفى والبعيد عن عينيك، إن أرهفت السمع، وتوقع النغمة التى ستصافح أذنيك، إن ألقيت نظرة واحدة على اللحظة التى يتقدم فيها شخص ما إلى العازف الممسك بآلته، ليضع شيئًا فى قبضة يده ويمضى، ولكن الأثر يظل باقيًا، وأنت وحدك، كمستمع مخلص للتلقى السهل البسيط، من ستدفع ثمنه الفعلى الفادح، راضيًا أو مرغمًا.

القاعدة السابقة تشرح كيف تعمل دماغ العازف، ليترجم المقابل الذى حصل عليه ألحانًا، ولكن ماذا عن دماغ المشترى، دافع المقابل؟ كيف تعمل؟ ولماذا تدفع؟ وعلى أى أساس تختار عازفًا دون آخر؟ الإجابة على هذه التساؤلات ترتبط بقاعدة أخرى، يمكنك التماسها فى مراجعة قصص ومسارات الدول والإمبراطوريات الكبرى، وحتى الشركات والعائلات وتجمعات الحرفيين والممتهنين لصvنعة واحدة، فمن الماضى يتشكل الحاضر بقوة دفع واضحة أحيانًا، وخافية كثيرًا، التاريخ عدو الجغرافيا، دائمًا ما يطاردها بضغوطه وهواجسه وتبعاته وأحماله الثقال، إما مكايدًا ومعيّرًا لها بما أنجزه فى هذه المساحة من العالم، عبر أناس آخرين وفى لحظات مختلفة، أو ملقيًا على كاهلها ذنوبه وآثامه وخطايا ناسه، وبين الاحتمالين تعيش الجغرافيا حالة من التيه والتشتت بين الموروث والراهن، السابق والمأمول، وبين مدونات الأولين وطموحات الآخرين، وإذا التمسنا مثالًا عمليًا على هذا من المدى الزمنى القريب، والواقع الجغرافى المنظور، فلا أوقع ولا أكثر تدليلًا من ألمانيا، البلد الذى خرج مدمرًا ومهزومًا ومدانًا عالميًا مرتين فى أقل من ثلاثين سنة، وتورط فى دماء أكثر من سبعين مليون إنسان فى الحربين العالميتين، ووصل إلى قمة العالم وكان على بُعد خطوات من السيطرة على مقاليد أموره، ثم هوى إلى قاعه، وفُرضت عليه شروط صلح قاسية ومهينة، البلد الذى عانى تذبذبًا اقتصاديًا، من انحدار العشرينيات، إلى عافية الثلاثينيات والأربعينيات، إلى انحدار آخر وخطط وإملاءات أمريكية، ثمّ عافية ونهضة مستقرة ويزداد توسعها يومًا بعد يوم، فما بين كل هذه الصور والتقابلات، يضغط التاريخ على الجغرافيا ويطاردها، ومن مجموع مخاوف الماضى أو نقاطه المضيئة، ومحاولات مواءمته مع الحاضر بإمكاناته، أو المستقبل بتطلعاته، وُلد الخطاب الإعلامى الألمانى ذى الصيغة الرسمية، أو بالأحرى ولدت «دويتش فيله».

الولادة من رحم الهزيمة

فى مايو 1953، قررت ألمانيا تأسيس منصة إعلامية، تخاطب العالم الخارجى وتتبنى وجهات النظر الرسمية، ولكن هذه الولادة لم تكن طبيعية بشكل كامل، كانت ولادة قيصرية ومن رحم الهزيمة، فبعد سقوط نظام حزب العمال الألمانى الاشتراكى الوطنى بزعامة أدولف هتلر، وخسارة الحرب العالمية الثانية، وتمكن جيوش الحلفاء من دخول العاصمة برلين، خضعت ألمانيا المهزومة لشروط الفريق المنتصر، وكانت فى وجهها العام متعسفة ومهينة بدرجة كبيرة، بدءًا من تخفيض تعداد الجيش الألمانى ووحداته وقطاعاته وتسليحه، واقتطاع مساحات من جغرافيا ألمانيا، ودول وأقاليم خضعت لها فى أوقات سابقة بقوة السلاح، وتحت أقدام جنود هتلر، لتجد نفسها فجأة وقد فقدت مجدها القريب، ومجبرة على الانصياع لخطة مارشال، التى وضعها الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكى، لإعادة إعمار أوروبا وإدخال دول المحور لحظيرة الطاعة مرة أخرى.

بعد أقل من ثمانى سنوات على الهزيمة وخضوع ألمانيا لرغبات الحلفاء وضوابط خطة مارشال، كان غريبًا أن تقرر دولة تتلقى المنح والمساعدات المالية لتنشيط اقتصادها المحتضر، إنفاق أموال طائلة لتدشين مؤسسة إعلامية لمخاطبة العالم الخارجى، وربما رأى المواطنون الألمان أنفسهم أن المرحلة تقتضى ترتيب الخطط ووضع أولويات أخرى، ولكن يبدو أن ألمانيا المتحررة من غطرسة هتلر لم تكن قد تحررت بعد من أفكاره، ولم تكن مقتنعة بالهزيمة المميتة، فوجدت فى أدبيات جوزيف جوبلز ووزارة الدعاية السياسية استراتيجية عمل مقنعة، وطوق نجاة ناعمًا يُخرجها من نفق المحنة.

منذ انطلاقتها تجلّت معضلة التوفيق بين الماضى والحاضر فى مدونة «دويتش فيله» ومنتجاتها الإعلامية والتواصلية، فالمؤسسة الوليدة فى مجتمع ألمانيا منزوعة الدسم والريش، ألمانيا المجبرة على الليبرالية، والمنفتحة على العالم الغربى والرأسمالية الأمريكية تحديدًا بشكل اضطرارى، ترتبط فى جوهرها العميق بالتراب الألمانى لحمًا وعظمًا، بتاريخ الرايخ منذ القرن التاسع الميلادى وحتى رايخ هتلر، بوعد الإمبراطورية وفترات المد والسيطرة على النمسا وبولندا وغيرهما من الجيران، بالإيمان العميق بتفوق العرق الآرى، والفرع الألمانى منه تحديدًا، وتجاوزه لكل الأعراق والإثنيات على امتداد العالم، وفى صميم ماكينة عملها لا يمكنها الدوران إلا وفق استراتيجيات الإعلام الألمانى الراسخة وقتها، التى وضعها «جوبلز» وفرضها على الألمان وجعل منها قانونًا عامًا، فكانت النتيجة الطبيعية أن تنطلق «دويتش فيله» بكوادر وإعلاميين من أبناء حزب العمال الاشتراكى، يحترفون الدعاية السياسية وفق مفهوم ألمانيا ما قبل الحرب، ألمانيا ما قبل 1945، ويجيدون نظريات التأطير والرسائل الرمادية والحرب النفسية والخطاب العاطفى الانفعالى، فقط احتاج الأمر منهم شيئًا من المداهنة والذكاء، لإخفاء التوجهات الهتلرية الزاعقة عن تفوق ألمانيا وسيادتها وحقها فى إدارة العالم، وتعبئتها فى محتوى أكثر ليبرالية وانفتاحًا، وتغليفها تغليفًا ذكيًا، ببدلة رمادية فخمة ورابطة عنق ولسان متعدد اللغات وباقة من القيم البراقة التى تتداولها مجتمعات العالم بضمير المتكلم، ولا مانع من مشاركتهم تداولها حتى ولو كان فى الضمير غرض آخر.

«دويتش فيله».. إعلام جوزيف جوبلز

فلسفة الهزيمة التى خرجت «دويتش فيله» من رحمها صبغتها رغمًا عنها، وربما عن ألمانيا نفسها، بصبغة دعائية أكثر منها إعلامية، حتى ولو تحللت من آليات التسويق المباشر أو الحرب النفسية واستهداف الخصوم بالتخويف والردع الواضحين، كما كان يحدث فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ولكن ظروف المرحلة فرضت نفسها بقوة، فعملت «دويتش فيله» منذ انطلاقتها فى 3 مايو 1953 وفق صيغ وآليات معدّة سلفًا، ومستقاة فى أغلبها من نظريات وتوجيهات وزارة الدعاية السياسية، ووزيرها جوزيف جوبلز، الذى قال فى مذكراته: «إن استجواب الأسرى الإنجليز أظهر لى أنهم ينتبهون للأنباء أكثر من التعليقات، واستخلصت من هذا نتيجة مهمة، مفادها وجوب تعديل الإذاعة الألمانية الموجهة باللغات الأجنبية تعديلًا شاملًا»، وهو ما يلتقى مع قول هتلر نفسه: «الرأى العام لا يعتمد على الخبرة الشخصية، أو على معرفة الأشخاص، ويستسلم للدعايات التى تسيطر عليه دون أن يشعر، والصحافة هى الموجه الوحيد».

الاستناد إلى مدونات «جوبلز» لم ينحصر فقط فى الأسس النظرية والخطط العملية فى حقل الدعاية، أو الإعلام ذى الصبغة الدعائية، ولكنه استند لمنظومة من الأفكار والأهداف، تحركت وفق نوازع جيوسياسية ترتبط بمرحلة حزب العمال الاشتراكى الوطنى «حزب هتلر»، ويتجلى هذا فى الأجندة الإعلامية التى تتبناها «دويتش فيله» بخصوص دول شرق أوروبا وتركيا وروسيا وغيرها، وفيما يخص مصر، التى كانت مسرحًا لهزيمة نكراء للقوات الألمانية فى أواخر الحرب العالمية الثانية، قبل أن تترك خلفها 20 مليون لغم أرضى وترحل بفلولها وشراذم قواتها، مخلفة آلاف الجثث التى ما زالت ترقد على بُعد كيلومترات قليلة من حقول الألغام، ولأن «جوبلز» لو ظل حيًّا فبالتأكيد لم يكن ليقبل بفكرة الهزيمة، وكان سيضع على رأس لائحة أولوياته فكرة القصاص واستعادة موطئ قدم فى الملعب الذى طُرد منه، ولأن «دويتش فيله» تخلص لأفكار جوبلز أكثر من إخلاصها لفكرة ألمانيا الحديثة على ما يبدو، فكل تحركاتها على صعيد الملفات المتصلة بمصر، وغيرها من المسارح التى شهدت تبدد الحلم الإمبراطورى الألمانى، تشهد على توظيف الإعلام والعمل وفق مبدأ الحرب، بدمويته ورماديته، لا وفق مبدأ التنوير بمعلوماته وجدلياته واشتباكاته العاقلة والعميقة.

موجة ألمانيا» تعمل ضد ألمانيا

من مبادئ جوزيف جوبلز وأدولف هتلر انطلقت موجة ألمانيا، أو «دويتش فيله»، لتبحث لنفسها عن موطئ قدم فى عالم جديد، مستعينة بالأدوات والآليات نفسها التى قادت ألمانيا إلى الهاوية، وكأنها تعمل ضد مصالح الشعب المهزوم، الذى قبل راضيًا برسائل المودة التى قدمها المنتصرون عليه، واختار أن يهدم أسوار النازية وينفتح على العالم، وهو ما قاد الموجة الإعلامية الألمانية، بسبب خلل التأسيس وانحراف التخطيط، وربما ارتباك البنية السلطوية والأمنية وتعارض الأجهزة الحاكمة للهيكل العام للدولة، لمخالفة رغبات مواطنيها ومموليها، أو التحول إلى مدّ وجزر من الأمواج المتلاحقة التى تعصف بتطلعاتهم لمجتمع ليبرالى مسالم، ما يجعلها لغمًا تحت قدم ألمانيا نفسها.

منذ الضربة الأولى رسمت «دويتش فيله» استراتيجياتها وخططها الإعلامية على ركائز دعائية، لا تعبأ كثيرًا بضوابط الإعلام ونظريات الاتصال الموضوعى الفاعل، فعمدت إلى جمع الأنباء المهمة بطريقة منهجية مدروسة، وصياغة رسائل دعائية مضادة لها، لمعادلة تأثيرها لدى المتلقين، ويتوازى مع هذا المسلك إنتاج دعاية مضادة للآخرين، بآليات ناعمة تراهن على الاجتزاء والتأطير والإلحاح وتفخيخ اللغة والخداع بالصورة، وتستند إلى الشحن العاطفى والرهان على الغرائز والاحتياجات الأولية، حسب معادلة هتلر الشهيرة: «الدعاية هى التأثير فى خيال الجماهير التى تسيطر عليها الغريزة، وعليها أن تتخذ لنفسها شكلًا سيكولوجيًا ملائمًا، حتى تسلك الطريق الملائم لهذه الجماهير».

الآن يجلس مدير العمليات المركزية لـ«دويتش فيله» فى المقر الرئيسى بمدينة بون، بعد الانتقال من «كولونيا» التى شهدت انطلاقتها بسبب تسمم غرف المقر بمادة كيمائية مميتة، وتمتلك المؤسسة منصات تليفزيونية وإذاعية عديدة، إضافة إلى موقعها الإلكترونى الذى أطلقته سنة 2005 بثلاثين لغة، ولكنه يصب الجانب الأكبر من تركيزه على قضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وفى مقدمتها مصر، وهذا إلى جوار حقيقة أن القسم العربى الذى تأسس سنة 1959 كان أول قسم ناطق بلغة غير أوروبية ضمن أجنحة «دويتش فيله»، وأنها خصصت مؤخرًا 250 مليون يورو للاستثمار الإعلامى فى القاهرة، وتركز على توقيع اتفاقات وبروتوكولات تعاون مع مؤسسات ومنصات إعلامية مصرية، وتنظم برامج تدريب وورش عمل بالداخل، وتوفر منحًا تعليمية وتدريبية فى ألمانيا، وتقيم جسورًا مع تيارات سياسية وشخصيات عامة وحقوقيين على مستويات واسعة، وأن مدير عملياتها فى مصر تحوم شبهات عديدة حول علاقته بجماعة الإخوان ورموزها وتبنيه لخطاب قريب من خطابها، كلها عناصر ومفاتيح تكشف عن حضور مصر والمنطقة فى بؤرة مركزية ضمن اهتمامات وخطط المؤسسة، تمامًا كما كان حضورهما على لائحة هتلر وجوبلز.

64 سنة من خيانة الرسالة

كان الهدف الأساسى لألمانيا من إطلاق شبكة «دويتش فيله» بأجنحتها الإعلامية العديدة، استعادة الصورة الألمانية فى وجهها الأصلى، كشعب حى يناضل فى سبيل التقدم وتحسين شروط واقعه، وإزالة الرتوش والشوائب التى علقت بثوبه فى النصف الأول من القرن العشرين، إثر حربين عالميتين وخصومات عديدة مع القطاع الأوسع من دول العالم، ووفق هذا الغرض وُضع تصور أوّلى للسياسة التحريرية للمؤسسة الناشئة، يتلخص فى أن تتكئ على تسويق الثقافة والحضارة الألمانيتين، ومدّ جسور التفاهم والتكامل مع المجتمعات والدول الأخرى، فى إطار خلق حالة من الفهم المتبادل وإزالة الرواسب والخلفيات المسبقة عن ألمانيا فيلهلم الثانى التى أشعلت الحرب العالمية الأولى، أو ألمانيا «فايمر» بفشلها الاقتصادى ومشكلاتها الاجتماعية، وأخيرًا ألمانيا هتلر التى أذاقت العالم أوجاعه الأكثر قسوة وفداحة فى القرن العشرين، وكان يتعين على المؤسسة الوليدة أن تخلص لهذه الرسالة، فى سبيل استعادة الوجه المشرق لألمانيا، بموازاة الانخراط الداخلى فى إعادة بناء الدولة واستعادة رونقها وتقدمها.

التعقيدات التى حكمت «دويتش فيله» منذ انطلاقها، سواء فيما يخص تورطها فى مدونة إعلامية «هتلرية»، أو استعانتها بكوادر ماكينة «جوبلز» وعناصره الفنية، قادت المؤسسة من اللحظة الأولى للانحراف عن رسالتها والغاية الموضوعة لها، وعبر 64 سنة من العمل استمرت «دويتش فيله» بكل أجنحتها وإصداراتها فى تبنى الخطاب نفسه، ربما بلهجة أكثر نعومة مما كان عليه سابقًا، ولكن المحصلة أنه ظل خطابًا شموليًا متعاليًا، لا يرى العالم خارج ألمانيا، ولا يسعى للحوار إلا بقدر المساحة التى يضع عينه عليه ويخطط لانتزاعها من وراء هذا الحوار، وفى كل هذا لا ينسى خصومة السابقين، أو المسارح الجغرافية التى شهدت هزائمه، بل ويتكئ على التحالفات القديمة نفسها، وإذا كان «هتلر» قد روج فى أوساط الدول العربية والإسلامية أنه أسلم، وأوكل لماكينته الإعلامية الضخمة ترويج هذه الشائعة حتى أصبحت حاضرة على كل لسان، بعد تبنى جماعة الإخوان المسلمين لها داخل مصر وعبر أذرعها فى عدد من الدول العربية، ورعاية الجماعة للقاء مفتى فلسطين الأسبق أمين الحسينى بـ«هتلر»، فقد اقتربت «دويتش فيله» من القصة بحذافيرها، وراهنت على الجماعات الدينية والراديكالية فى كثير من مناطق العالم، على «حركة الخدمة» فى تركيا، وعلى «طالبان» فى الشيشان ثم أفغانستان، وعلى «الإخوان» فى مصر، وتبنت خطابًا داعمًا لهذه الجماعات وغيرها، بقدر من المناورة والرمادية والتنويع فى الأسلحة والأهداف، فكل العناصر المتاحة على طاولة «إعلام جوبلز» أدوات مشروعة للوصول إلى غاية عليا، بضرب الخصم مباشرة، أو بدعم خصومه من باب «عدو عدوى صديقى»، أو كما قال جوبلز: «ينبغى أن نبحث عن الأقليات الموتورة، وعن الزعماء الطموحين الفاسدين وذوى العصبيات الحادة والميول الإجرامية، فنتبناهم ونحتضن أهدافهم، ونهول مظالمهم، ونهيّج أحاسيسهم، بمزيج من الدعاية والشائعة، مثيرين الغنى على الفقير، دافع الضرائب على فارضها، الجيل الجديد على القديم، وبذلك نحقق درجة من الفوضى يمكن معها التلاعب بمقدرات العدو وفق ما نشاء».

هل ينفجر اللغم تحت قدم ألمانيا؟

رحلة مؤسسة «دويتش فيله» منذ نشأتها حتى الآن، وما تتخللها من علاقات وتحالفات، ومن اتفاقات وبروتوكولات تعاون، ومن منح ودورات تدريب، ومن منتجى محتوى ومقدمى برامج وضيوف ومتعاونين، وموازنات ضخمة مخصصة للاستثمار الإعلامى المباشر أو دعم منصات ومواقع تابعة لأكثر من اتجاه وجهة، كلها تضع علامات استفهام حول علاقة هذه المؤسسة ذات الصبغة الرسمية، التى تنفق عليها الحكومة الألمانية ويحمل مدير عملياتها المركزية درجة نائب وزير، بمصالح الدولة الألمانية ومواطنيها، ومدى إخلاصها لهذه المصالح، أو حتى لقيم المجتمع الألمانى، وسط حالة من التناقض تسيطر عليها، ما بين عملها تحت لواء دولة ليبرالية علمانية وتبنيها لخطابات واستراتيجيات جماعات دينية، وادعائها العمل وفق منظومة مهنية صافية بينما تصنع طبخة إعلامية رمادية ومنحازة، تغاضيها عن جرائم الإرهاب فى كثير من مناطق العالم بينما تثور وتنتفض وتفصل صحفى مصرى بسبب بوست عبر «فيس بوك»، وحتى لو تجاوزنا التفاصيل الصغيرة فيما يخص المحتوى الموجه والمصنوع برمادية واضحة ووفق آليات دعائية «جوبلزية»، فالحقيقة أن كثيرًا من مواقف المؤسسة ومنصاتها الإعلامية تصطدم اصطدامًا قويًا ومباشرًا بالمواقف الرسمية للدولة الألمانية، وإن كان ثمة توزيع أدوار بين المؤسسة السياسية والأجهزة الأمنية، تدخل «دويتش فيله» طرفًا خفيًا فيه، فإن التلاعب بالشعب الألمانى يظل تهمة حاضرة ولا تبرير لها، خاصة أنه يتكبد حتى الآن أعباء تعويضات الفترة الهتلرية، ويتحمل أثرها النفسى الباقى مع نظرة العالم لتاريخ بلده القريب، وهذه المعاناة التى شهدها الألمان قد لا تحتمل المخاطرة ورهانات المغامرين بحاضره ومستقبله.

ربما لا تكون ألمانيا الرسمية راضية عن أداء «دويتش فيله»، ويكون استمرارها مرتبطًا بما تضمنه لها المنظومة القانونية وصيغة الحكم من استقلالية وحيز للمناورة والعمل وفق أهداف واستراتيجيات تُصاغ فى بقعة رمادية من شوارع ألمانيا الخلفية، وفى غرفها المظلمة التى يسكنها أباطرة يحكمون من وراء ستار، ويرفعون شعارات الأمن القومى والأمة والهوية والمصالح العليا كما رفعها «جستابو هتلر» من قبل، يظل الأمر شأنًا داخليًا موكلًا لأصحابه ومن يعانون أو يواجهون احتمال المعاناة بسببه، ولكن ما يعنينا فى هذا المقام هو التماس الخيوط والمفاتيح التى تحكم عمل «دويتش فيله» فى مصر والمنطقة العربية، وتضع خريطة تحركاتها وتحالفاتها واتفاقاتها، وحدود هذه التحركات والاتفاقات، ومكاسب الأطراف الأخرى من هذه التعاقدات الضمنية أو المعلنة، وفى سبيل التماس المعلومة والسبب ومحاولة استكشاف دوائر الأسرار والمصالح، نفتح فى هذا الملف كتاب مؤسسة «DW» ونقلب صفحاته، من التأسيس ورحلة التوسع وهويات المديرين وخلفياتهم وعلاقاتهم بالأجهزة والمؤسسات الفاعلة فى المساحة المظلمة من الصورة، وموازنة المؤسسة وأجور المتعاملين معها، وبرامجها التدريبية وتوجهاتها وورش العمل والمشاركين فيها، وبروتوكولاتها فى مصر وأبرز الجهات المستفيدة منها، من مواقع وصحف وقنوات تليفزيونية وأفراد، ونقترب من مدونتها التحريرية وآليات بنائها، وكيف كانت محطة فى طريق تحول عدد من الأسماء الإعلامية والسياسية والحقوقية، بالقدر الذى كانت فيه معبرًا للمال والمصالح المباشرة والدعم المادى والمعنوى لهم، وكيف تقف المؤسسة الألمانية النابتة من رحم الهزيمة وعلى أرضية فكرية دشنها هتلر وجوبلز، متبنية لخطاب معادٍ لأعراق العالم باستثناء الآريين، وداعمة للجماعات والأفكار الأصولية، وللموتورين وحملة خطاب الشحن العاطفى والانفعالى كما قال آباؤها النظريون، وكيف وصلت عبر رحلة أدائها منذ الخمسينيات لأن تكون لغمًا تحت قدم ألمانيا، يسعى للتمدد والتوسع ليكون ألغامًا عديدة تحت أقدام العالم كله، فتابعوا الحلقات المقبلة من الملف.

 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة