خاب من ظن أن سياسات الأمم المتحدة يتم نسج خيوطها لترسيخ مبادئ الحقوقية، وعدم الانحياز لطرف دولى أو إقليمى على حساب آخر، بل أنها تثبت مع إشراقة كل شمس جديدة، أنها تُساق من قوى دولية محددة لتخدم مصالحها، وهذا ما يتكشف من المواقف السياسية لبعض السياسيين الدوليين، الذين يرفضون تلك السياسات، ودائما ما يكون مصيرهم، إنهاء دورهم السياسى المؤمن تحت مظلة المنظمة الدولية الأولى فى العالم.
وفى حلقة جديدة تكشف تلك السياسات الموجهة، استقالت ريما خلف، المديرة التنفيذية لمنظمة إسكوا من منصبها بعد رفضها الرضوخ لضغوط واسعة، كان أبرزها من أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، لسحب تقرير يتهم إسرائيل بالتمييز العنصرى تجاه الشعب الفلسطينى، وهو التقرير الذى أثار غضب كلا من إسرائيل والولايات المتحدة.
ودافعت خلف، وهى دبلوماسية أردنية تشغل منصب الأمين التنفيذى للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، عن تقريرها، قائلة خلال مؤتمر صحفى، أمس الجمعة: "أصر على استنتاجى فى التقرير بأن إسرائيل تمارس سياسة الفصل العنصرى".
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن استقالة خلف، بعد يومين من نشر التقرير، تعكس الضغوط من إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرس، وقد هاجمت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكى هالى، ما تعتبره وغيرها من المسئولين الإسرائيليين بمثابة انحياز قوى ضد إسرائيل داخل الهيئة الأممية.
وقالت هالى: "عندما يصدر شخص تقرير كاذب ويحمل تشهير باسم الأمم المتحدة، فمن المناسب أن يستقيل هذا الشخص"، وفى المقابل أشادت السفيرة الأمريكية بالأمين العام لقراره النأى بمكتبه عن الأمر.
ويأتى تقرير خلف ليمثل المرة الأولى التى يتم فيها استخدام تعبير "الفصل العنصرى- الأبارتيد"، فى وثيقة أممية لوصف السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة. و"الأبارتيد" هو ذلك التعبير المشبوه الذى استخدم قبل عقود لوصف القمع المؤسسى فى جنوب إفريقيا للأغلبية السوداء من المواطنين على يد الأقلية البيضاء.
وفى محاولة لجوتيريس كى ينأى بنفسه، قال الأمين العام للأمم المتحدة إنه لم يكن لديه علم مسبق بالتقرير وأنه لا يعكس وجهات نظره، وقد حثت إسرائيل ومؤيديها جوتيرس لرفض بالتقرير، الذى يصفوه بأنه لا أساس له من الصحة ويهدف إلى عزل إسرائيل ونزع شرعيتها.
وفى المقابل أعرب أنصار التقرير عن أملهم فى أن يضيف زخما لحركة دولية تهدف لمقاطعة إسرائيل، وهو ما يشبه حملة دولية للضغط الاقتصادى على جنوب أفريقيا ساعدت فى نهاية المطاف على إنهاء الفصل العنصرى فى أوائل التسعينيات.
وتضم اللجنة الإقليمية التى أعدت التقرير، فى مقرها ببيروت، 18 دولة عربية عضو فى الأمم المتحدة، معظمهم لا يعترف بإسرائيل، وتضمن مؤلفو التقرير، المحقق السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ريتشارد فولك، الذى أغضب بشكل خاص العديد من أنصار إسرائيل الذين يعتبرونه معاديا للسامية، وتساءل كثيرون لماذا لا تزال الأمم المتحدة تتعامل مع فولك.
وقال فولك فى رده على صحيفة نيويورك تايمز: "إنه شعر بالاستغراب من الضجة التى أثارها التقرير"، مضيفا أن خلف كانت كبش فداء، وأشار إلى أن التقرير هو دراسة أكاديمية نظرت فى الأدلة والتحليل القانون بطريقة مهنية، مضيفا: "أشعر بأنه تم أقحامى لتشويه صورة التقرير دون قراءة أو انتقاد مضمونة".
وامتنعت الولايات المتحدة فى ديسمبر الماضى عن التصويت على قرار يتبناه أغلبية الدول الأعضاء فى مجلس الأمن الدولى يدين النشاط الإستيطانى الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهو ما آثار الانتقاد من قبل الرئيس ترامب، الذى لم يكن قد تولى السلطة رسميا وقتها، لسلفه باراك أوباما بسبب عدم استخدامه حق الفيتو.
وكتب ترامب وقتها على حسابه بموقع "تويتر": "إن الأمور ستكون مختلفة فى الأمم المتحدة"، بعد دخوله البيت الأبيض، وبالفعل تواجه الأمم المتحدة ضغوطا كبيرة من الإدارة الأمريكية الجديدة التى هددت مرارا بسحب دعمها المالى السنوى للهيئة الأممية، حيث تتحمل واشنطن النسبة الأكبر من التمويل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة