أيام مرت على رحيله الموجع، لكن اسمه هذه المرة لم يظهر فى وسائل الإعلام باعتباره «راحلا»، لكن باعتباره «فائزا»، فقد فاز طاهر البرنبالى بجائزة التميز التى يمنحها اتحاد كتاب مصر عن شعر العامية، ومن وجهة نظرى فقد فاز «طاهر» بجائزة الحب الأولى، حينما اكتشف أحباؤه فجأة ما يمثله من قيم سامية فى حياتهم، وما يضيفه إليهم من خبرات ومعان جعلت منه ضلعا فى الشعور، فانسالت كلمات الألم، وانهارت جبال الافتقاد، وامتلأت الصفحات برسائل العتاب على الرحيل المفاجئ والغياب غير المغتفر، لكن للأسف فقد «طاهر» حصل على هذه الجوائز مجتمعة بعدما صار رفيقا للتراب.
خلاص قرّرت
خلاص مرّرت روحك للسما ونوّرت
خلاص حذّرتنا ومرّيت وقلت لهم هناك حذّرت
ما نيش عارف أعيّط ليه؟
عنيا محجرّة بالدمع
كأن رموشى صارت شمع
هكذا رثاه الشاعر الفياض «سعيد حامد شحاتة فى قصيدة طويلة نشرها «اليوم السابع»، اختار سعيد فيها أن يبث روح الوصل ثانية فى خيوط التواصل المتقطعة، ومن شدة الفقد اخترع حوارا شعريا عذبا يناجى فيه صديقه الغائب، وكأنه يستحضر روحه وقلمه ونبرة صوته وسخونة أنفاسه، قصيدة عذبة، تكاد تلامس عذوبة «طاهر» وبراءته، وتكاد تتكلم بلسان حال جميع الشعراء الذى فقدوا عزيزا.
رحل طاهر البرنبالى ففاز، وهنا من المبدعين والمشاهير من يفوزون فيرحلون، والصدق هو المعيار الوحيد والحكم الأوحد، إن كنت من الصادقين فزت، وإن كنت من من غير ذلك خسرت، وقد كان طاهر قبل أشهر يتحدث غاضبا عن آلية فرز المبدعين فى مصر، وعن معايير الفوز فى جوائز الإبداع فى مصر، فنال بغيابه ما لم ينله بحضوره، ليخبرنا فى رسالة شديدة البلاغة بأن أعيننا فاسدة، وأن كلامنا مالح، وأن أحكامنا باطلة، وللأسف تتحمل وسائل الإعلام فى مصر وزر إهدار أجيال متعاقبة من الشعراء والأدباء والروائيين، لأنها لا تجتهد فى عرض النماذج الإبداعية الواعدة، ولا تذهب إلى الأصلاء من أهل القلم، لكنها تستسهل التقوت على إظهار الظاهرين بالفعل، وتكرس للمكرس لهم سابقا، ولهذا وقع جيل بأكمله فى فخ التجاهل الأعمى، منهم «طاهر» ومنهم غيره، والنتيجة هى الجفاف والعقم واللإفلاس، فهل سيكون موت «طاهر» جرس إنذار يوقظنا من غفلتنا وينبهنا إلى الاهتمام بأجيال جادة ومنسية؟