ما جرى فى انتخابات نقابة الصحفيين هذه المرة، لا يختلف عما تم فى مرات سابقة، الانتخابات فوز وخسارة، والديمقراطية ليست كيس شيبسى أو ريموت كونترول، لكنها عملية تراكمية معقدة، تحتمل التربيطات والمناورات والخلافات والاختلافات.
المندهشون والمصدمون والمحبطون يفضلون أن يشتموا الشعب أو الجمعية العمومية، متصورين أن الجماهير تنتظر إشاراتهم لتتحرك إيمانا برؤاهم اللدنية وآرائهم الحمقرية. أو يصور لهم غرورهم «الدوجاطيقى» أن الآخرين قطيع تابع لأفكار جناب سعادتهم، يقسمونها طوليا وعرضيا ومؤسساتيا وجهويا، أو إلى مؤيدين ومعارضين، فإن كانوا معه فهم «كويسين»، ولو كانوا ضده فهم غير فاهمين أو تافهين وآمنيين. نفس نظرية «الفرقة الناجية» للمتطرفين التى غالبا ما تنتهى إلى صراع أهلى وعرقى وطائفى.
مفاجآت نتائج التصويت على منصب النقيب، والأعضاء، مفهومة فى سياق تركيبة الجمعية العمومية وهى تركيبة معقدة، والدليل هو خسارة من كانت التوقعات تنتظر فوزهم وعلى العكس فوز من كان فوزهم مستبعدا.
هناك أربعة آلاف ونصف صوتوا فى الانتخابات مثلوا تقريبا نصف من لهم حق التصويت، وإذا استبعدنا المسافرين نكتشف أن ثلث الجمعية العمومية غاب لعدم الاهتمام، ومع هذا تظل نسبة الحضور هى الأعلى.
بعض مفسرى الهلام يرون أن من صوتوا ليحيى قلاش هم المستقلون باعتبار الباقين تابعين منقادين، وفى الفريق الآخر من كان يرى النقابة مختطفة، وكلاهما لا يرى سوى نفسه، بينما كان تقبل يحيى قلاش للنتيجة اعترافا بقواعد هو نفسه فاز بها قبل عامين فى منافسة أخرى. ويحتمل أن يخوض المنافسة مرة أو مرات قادمة، بما ينسف التصورات البلهنية «للمتكعبلين» فى التناقضات.
من انتخبوا يحيى ليسوا المستقلين ومن انتخبوا منافسه عبدالمحسن النقيب الحالى ليسوا تابعين وكلاهما أعضاء جمعية عمومية تتقلب فيها الآراء، ثم إن الانتخابات عملية يتداخل فيها النقابى بالسياسى بالجهوى بالمؤسساتى، ومن يدخلها عليه أن يقبل قواعدها، لكونها تدخل ضمن لعبة سياسية ولا علاقة لها بآراء متطرفة فى أى فريق.
كانت هناك أسماء متوقعة وأخرى مفاجئة، أو من يفسرون تدخل مؤسسات يعجزون عن تفسير خسارة مرشحين ينتمون لمؤسسات، والذين يفسرون فوز عبدالمحسن وخسارة يحيى، يعجزون عن تفسير فوز عمرو بدر، وأظن أنه مثلما كان مفاجئا فى الفوز، سيكون مفاجئا فى الأداء النقابى، مع الأخذ فى الاعتبار أن النقيب ليس مطلق اليد، وكل عضو هو واحد من 12، من يعرف النقابة والصحفيين يمكنه فهم هذا، ومن ينتمى لسباق «الفرق الناجية»، سيبقى عند حالة الاستسهال المريح.