اليومَ أُكملُ لكم حكاية الصبىّ النحيل الذى قرّر السرطانُ أن يقطف عمره الصغير فى الرابعة عشرة من عمره، لكن صديقته العجوز الحكيمة، الممرضة الطيبة، ماما الوردية، استطاعت أن تجعله يعيش مائة وعشرين عامًا، حين غيّرت من مقياس الزمن وجعلته يتصور أن كلَّ يوم متبقٍ له فى الحياة يكافئ عشر سنوات، وإذن فأمامه مائة وعشرون عامًا سوف يحياها خلال الاثنى عشر يومًا المتبقية له قبل أن تصعد روحه إلى خالقِها. يا له من عمر طويل بوسع الإنسان أن يحقق فيه كلّ أحلامه. حلّت له تلك الأمُّ الحكيمة مشكلة قِصِر العمر، فلم يتبقّ إلا مشكلة الوحدة الموجعة التى يشعر بها ذلك الصبىّ المتروك جانبًا فى مصحّة مرضى السرطان، وكان التغلب على تلك المشكلة فى حلّ سحرى اقترحته ماما الوردية على صغيرنا المُمتحن بالمرض والتوحّد، بأن يكتب كل يوم رسالة إلى الله، وفى كل رسالة يطلب أمنية واحدة فقط يحققها له الله، وصلنا الأسبوع الماضى للرسالة الرابعة التى قرر فيها الصبى ألا يطلب شيئًا من الله يومها، امتنانًا له على نجاح عملية حبيبته وزميلته مريضة السرطان. وفى الرسالة التالية قرر أن يُرسل هدية لله، إقرارًا بفضله عليه، وسأله: «تحب أجيب لك هدية ايه يا ربنا؟».
اليوم أصبح عمر الفتى خمسين عامًا «بالتقويم الوردى». وعند الخمسين اكتشف الصبىُّ أن الحياة أجمل وأكثر رونقًا بعدما ازداد وعيه وفهم كل الأمور التى كانت غامضة عليه طوال عمره الماضى، لكن مهمّة الكتابة أصبحت أصعب وأشقّ بعدما بدأ الإرهاقُ يزوره أكثر، عند سن الستين اكتشف الصبى أن عليه أن يدفع فاتورة أخطاء سن الشباب كالسهر مثلا، بدأ يشعر ببدايات الشيخوخة ومتاعبها، لكن حبيبته كانت تأتى لزيارته أحيانًا فى المستشفى بعدما شُفيت وخرجت منها إلى بيتها.
فى اليوم التالى اكتشف أن طبيبه يحبه عكس ما كان يظن، كان متظاهرًا بالنوم حين سمع الطبيب يقول: «أنت فى الأول كنت بالنسبة لى مجرد حالة زى أى حالة بتيجى المستشفى، ولما بدأت أشوفك بتتكلم مع ربنا حسيت إنى بقرب منك أكتر.. أنت علمتنى حاجات كتير.. عاوزك تتأكد إنى عملت كل حاجة ممكن تتخيلها علشانك، وبعت التقارير بتاعتك لأكبر دكاترة فى العالم، لكن سامحنى مفيش أمل، بس اتعلمت منك إزاى أحب الحياة وده أكبر أمل أنا عايش عليه».
كتب الصبىُّ إلى الله ما حدث قائلا: «ساعتها كنت عامل نفسى نايم وسمعت كلام الدكتور وفرحت، مش قادر أكتب أكتر من كده عشان تعبان، كل الناس بقت عيانة، عاوزك تزورنى بقى».
وبين السبعين والثمانين بدأ الصبى يراجع أفكارًا كثيرة فى حياته، وراح يتأمل الهدية العبقرية التى جلبتها له ماما الوردية، نباتٌ يعيش حياته كلها فى يوم واحد، غرسُ البذرة، ثم إنبات البرعم، فالساق، فالفروع، ثم الزهور التى تُشرق ثم سرعان ما تموت مع نهاية اليوم، فى رسالته ذلك اليوم شكر اللهَ كثيرًا على عظمة خلق هذا النبات العجيب. تعدلت أحوال مريضنا الجميل مع والديه بعدما أقنعته ماما الوردية أن أجمل هدية ينتظرها اللهُ منه هى أن يتصالح مع أهله ويحبهم، وبالفعل قضى معهما وقتًا طيبًا فى ذلك اليوم، لهذا ختم رسالته إلى الله يومها قائلا: «ملحوظة: نسيت أقولك أمنية النهارده، من فضلك يا ربنا خلى ماما وبابا على طول يبقوا زى النهارده».
جلس مع حبيبته يراجعان قاموس المصطلحات الطبيّة، بحث عن كلمات تشغله مثل: «الحياة الموت الإيمان ربنا»، ولما لم يجدها كتب إلى الله قائلا: «النهارده تأكدت أن الحياة والموت والإيمان مش أمراض»، أخبرته ماما الوردية بأن تلك المعانى ربما يجدها فى قاموس فلسفى وأيضا لن يقف على معان نهائية لها، فى ذلك اليوم ختم الصبى رسالته لله بأمنيته: «خلى الناس كلها تقول لبعض سلام.. خلى السلام يملا العالم».
اليوم أصبح الصبى فى التسعين، وكتب إلى الله أنه شاهده عند الفجر وهو يزحزح الليل عن العالم، ويأتى بالشمس لتشرق، وشكر اللهَ كثيرًا لأنه صنع كل ما فى الكون من طيور وأشجار وزقزقة عصافير وليل ونهار من أجله. وحين وصل للمائة عام، وأصبح غير قادر على الحركة، اكتشف جمال الحياة أكثر لأن عقله فقط هو ما يعمل، حاول أن يُعلّم أبويه أن الحياة هى هدية الله الكبرى للإنسان، وطلب من الله أن يزورهما مثلما زاره، عند عمر المائة وعشرة، بدأ الصبىُّ يحتضر، ومات عند المائة وعشرين عامًا عند الفجر، بعدما علّق لافتة على سريره تقول: «مفيش غير ربنا بس له حق يصحينى».
نسيت أن أخبركم عن اسم هذا الصبىّ، اسمه أى اسم تختارون. «أوسكار» كما اختاره صاحب العمل «إيريك إيمانويل شميت»، أو «مينا»، كما اختاره المصرى الشاب الموهوب «جورج موسى» الذى أخرج المسرحية فى ثوبها المصرى وكتب موسيقاها، أدى دور أوسكار الممثل الموهوب «مينا أيوب»، وزملاؤه الذين هتفوا مع موت أوسكار: «عزيزى ربنا، عرفناك من خلال أوسكار وهو اللى علمنا إزاى نكتب لك»، تحية لأولئك الشباب الواعد أعضاء فريق «ألوان مصرية»: جيهان، سيمون، جوزفين، ماريو، إيناس، أبانوب، بولس، بيتر، أندرو، الذين قدموا لنا عرضًا عالميًّا فلسفيًّا فائقًا على مسرح الجوزويت، تشاهدونه قريبًا على مسرح دار الأوبرا بإذن الله.
عدد الردود 0
بواسطة:
نشات رشدي منصور / استراليا
منذ صغري وحتي الان ارسل. رسائل لله
اغلبها. عتاب. حتي. جاء. اليوم الذي. وصلتني. فيه. منه. احلي. رسالة. يقول. لي. فيها. : في. اي. وقت. تطلبني. تجدني. .. بابي. مفتوح. علي. الدوام. لا عندي. سكرتارية. ولا. حجوزات. عملي. كل. الساعات. ... لو. طلبتني. بإخلاص. تجدني. ومعايا. كل. العلاجات. مهما. كانت الألامات .. تلك. اعظم. رسالة. تلقيتها. من. الرب. وانا. في. شدة. الأماتي. ان. الامل. هو. اساس قتل جذور اي مرض ولك. مني. تحياتي يا احلي فاطمة .
عدد الردود 0
بواسطة:
منوفى
الله جميله جدا
هوه الموضوع بيتكلم عن ايه
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن
إلى رقم 2 : الصنف إيه بالظبط ؟؟؟؟
المصيبة أنك تسأل عن موضوع لم تفهمه لأنك لم تقرأ ما كتبته الرائعة دائما السيدة/ فاطمة ناعوت يوم 12 مارس وهذا كان أول الموضوع .... الغريب أن شخص كلامه يدل على التريقة وهو لايعرف ولم يقرأ شىء !!!!!!