* تاجر سودانى: "أعمل فى المهنة من 30 سنة ونقطع 40 يوماً من السودان للوصول إلى السوق"
* مواطن أسوانى: "روح المريض متعلقة فى الإبل ونشربه السجائر"
* الرسوم الجمركية وتعقيدات العبور عزفت أعداد كبيرة عن التجارة فى الجمال"
يعد "سوق الجمال" فى مدينة دراو بمحافظة أسوان، شريان الحياة لجميع السكان المقيمين بالمنطقة ولا يقتصر على التجار فقط، ويصف أحد المواطنين سوق الجمال بأنه "حياة نعيش فيها وتعيش فينا"، وحول معلومات أكثر تفصيلاً عن تجارة الجمال وأسواقها وحياتها، انتقل "اليوم السابع" إلى سوق الجمال بمدينة دراو والذى يقع على بعد 40 كيلو متراً شمال مدينة أسوان فى الجانب الشرقى للسكة الحديد، ليستمع من الأهالى عن هذه التجارة منافعها ومشاكلها.
مع دقات الساعة السادسة من صباح يومى السبت والأحد من كل أسبوع، تدب الحياة داخل سوق الجمال بمدينة دراو محافظة أسوان، فتفتح أبواب السوق أمام الجمال بكميات كبيرة تصل إلى 5 آلاف رأس من الجمال، ويجلس كل تاجر بقطيعه فى حانة معينة فى السوق، أو حول جذع نخلة مدفون بشكل عمودى فى باطن الأرض، وينادى كل تاجر على جماله إما بكلمة "إخ" فى إشارة لإعطاء أمر بالجلوس للجمل حتى يبرك، وهى كلمة أصلها يردد فى السودان الشرقى، أو بكلمة "شاه" فى إشارة أيضاً لإعطاء أمر بالجلوس للجمل حتى يبرك على الأرض، وهى كلمة أصلها يردد فى السودان الغربى.
وتختلط أصوات الناس بأصوات الجمال حتى تسمع ضجة مفاجئة، وعندها تعرف أن الصوت يشير إلى عملية بيع وشراء، فيلجأ التاجر الذى يريد البيع إلى إثارة جماله عن طريق ضربهم بعصا "الخرزانة" التى تجدها فى يد كل من فى داخل السوق حتى الأطفال الذين يحضرون للتعلم من آبائهم، وتستخدم فى توجيه الجمل، وعادة ما يربط من قدمه خوفاً من الهرب، ويربط الجمل أحياناً من قدميه الاثنين الأماميتين إذا كان الجمل عاصياً لأوامر صاحبه، وتسمى مجموعة الجمال عند عملية البيع والشراء داخل السوق بـ"الحبل" فيردد البائع "خذ الحبل بـ8 آلاف على الرأس" وهكذا، وعندما يصافح المشترى البائع ويقول له "على البركة" فيتم الشراء بين الطرفين.
وحول مشاهد من داخل سوق الجمال فى دراو، تجد أن المشهد لا يقف عن بيع وشراء الجمال فقط، ولكن هناك المقاعد الخشبية التى يجلس عليها تجار الجمال، وأيضاً يجلس بعضهم على الفراش فى الأرض ويتناول الشاى أو المدخنات وأيضاً "الصاعود" و"المدغة"، وهناك عدد من الباعة المتجولين من داخل السوق، حيث تجد بائع الحدادة الذى يبيع للتجار أدوات حديدية تستخدم فى أغراض خدمة الجمال، وأيضاً بائع الملابس الصعيدية كـ"الجلاليب والسديرى والتقشيطة والشال وعصا الخرزانة" وغير ذلك، كما يتوافر داخل السوق مسجد لأداء الصلوات بداخله.
ويجلس عند باب السوق الذى يتكون من بوابة حديدية كبيرة تفتح على الجانبين، رجلاً يتبع شركة الأسواق المصرية، ويأخذ فى عد رؤوس الجمال الداخلة للسوق والخارجة منه، ويحصل على كل رأس إبل تدخل السوق مبلغ 10 جنيهات، ويسجل أعداد الجمال فى كراسة بجواره ويضع النقود المحصلة فى صندوق خشبى موضوع أمامه.
ويقع خارج السوق، مناطق مرتفعة عن سطح الأرض متفرقة، تسمى بـ"التبة" وينتظر أمامها عشرات السيارات من الشاحنات الكبيرة والنقل والنصف نقل والربع نقل وغير ذلك، وتتجمع الجمال بعد إتمام عملية البيع والشراء على هذه التبة، ويقوم التجار بتحميلها على السيارات تمهيداً لنقلها والسفر بها إلى المحافظات الأخرى.
سوق الجمال بدراو، يعد مزار سياحى أيضاً للسائحين الأجانب الذين يحرصون على التقاط الصور مع الجمال وفوقها، وأيضاً مزار للمصورين الفوتوغرافيين المحترفين، والوفود التليفزيونية الدولية والمحلية.
مجدى مشالى، تاجر جمال بمدينة دراو، يستفتح الحديث عن الجمال قائلاً: "خرجنا إلى الدنيا فوجدنا آبائنا وأجدادنا يعملون فى تجارة الجمال، وأيضاً سنورثها لأبنائنا من بعدنا، لأن 90% من سكان مدينة ومركز دراو بأسوان يعملون فى تجارة الجمال أو تربيتها، حتى وصل أصحاب الجمال لفهم الجمل" مسترشداً بقول الله تعالى فى القران الكريم: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت".
وأضاف مجدى مشالى، أن التاجر فى مدينة دراو بمجرد النظرة فى عين الجمل أو متابعة وقفة الجمل يعرف عنه الكثير من تفاصيل حياته، فيتبين للتاجر ما إذا كان الجمل يعانى من التعب أو فى حالة إعياء أو يحتاج إلى أكل أو شرب أو راحة أو غير ذلك، مشيراً إلى أن الناس فى دراو يربون الجمال داخل منازلهم وفى الأحواش التابعة لمنازلهم أو القريبة منها، وعلق قائلاً "أى بيت لازم يبقى فيه جمل" ويمكن لصاحب الجمل خلال عامين فقط من ولادته أن يتاجر فيه عن طريق البيع أو الشراء.
وحول أكل وشراب الجمل، أضاف مشالى، أن الجمل لا يحتاج للأكل كثيراً حتى وإن مر عليه ثلاثة شهور على أقصى مدة، ومع ذلك فالأهالى فى مركز دراو يهتمون اهتماماً كبيراً بتغذية الجمال وتربيتها بهدف زيادة وزنه وتقويته على تحمل الصعاب فى العمل، ويحرص أصحاب الجمال على رعايته رعاية كبيرة، فالبعض منهم يحرص على تغذية الجمل بالذرة أو الأعلاف ويسمى هذا النوع من الأكل بـ"الدلع"، ثم يستطرد الحديث ويقول "بعضنا يذهب لإعطاء جمله السجائر".
ويضيف أيضاً مجدى مشالى قائلاً: "الجمل أكتر حيوان خلقه الله أليفاً، فعقب شرائه بشهر أو 15 يوماً على الأقل، يتعود الجمل على صاحبه وعلى مسكنه ويتحرك من المرعى فى الأراضى الزراعية داخل البلد صباحاً ويعود فى المساء وحده أحياناً بعد أن حفظ الطريق والمواعيد"، مشيراً إلى أن الجمل فى نفسه نظيف ولا يحتاج إلى تنظيف باستمرار، ويستخدمه الأهالى فى أغراض أخرى غير التجارة فيساعد على نقل محصول القصب من الأراضى الزراعية الضيقة التى لا تسمح بمرور الجرارات الزراعية، بجانب مساعدة المزارع فى نقل زراعاته إلى المنزل، ويستخدم الجمل أيضاً داخل محافظة أسوان، فى أغراض التنقل ويقام له سباقات "الهجن" فى المناسبات المختلفة، ويزف عليه العروسان فى ليلة الزفاف فى كثير من الأحيان.
وعلق مجدى، قائلاً: "الجمل ليس للتجارة فقط، ولكنه شريان الحياة فى دراو، ولا يمكن أن يستغنى تاجر أو صاحب عن جمله حتى إن الشخص منهم إذا تعب ولا يستطيع أن ينهض من فراشه إلا أنه يتحامل على نفسه ليرى جماله إذا مر أسبوع ولم يره خلاله".
الشيخ عثمان النعيم، سودانى الجنسية، يتابع الحديث عن تجارة الجمال وأصلها، قائلاً: "خرجنا إلى الدنيا فوجدنا آبائنا وأجدادنا يعملون فى تجارة الجمال، فهى تجارة قديمة بقدم شعبى مصر والسودان، لأن الجمال تأتى عن طريق السودان وتدخل مصر عبر الحدود المصرية السودانية، ويستنفع منها أهالى الشعبين فى الربح المادى والتجارى والسفر وغيرها"، مؤكداً أن تجارة الجمال تغيرت عن السابق ولم تعد تجدى على التاجر السودانى والمصرى بسبب زيادة الإجراءات الجمركية وزيادة الرسوم المفروضة وتحكم الدولار فى سعر السوق بين السودان ومصر، مؤكداً أن الدولار خسارة على التاجر السودانى والمصرى أيضاً "على حد قوله".
وأضاف الشيخ النعيم، أن الجمال تنشأ فى موطنها السودانى سواء من دارفور أو دنقلة أو غيرهما، ويقوم صاحب قطيع من الجمال بتصميم قطعة حديدية بشكل ورسم معين عند الحداد، ثم يسخن على هذه القطعة ويكوى بها كل الجمال فى رقبتهم كعلامة يستدل بها صاحب الجمال على قطيعه وتسمى "وسم"، وفى حالة سرقة أو فقدان أى جمال منها يمكن استرجاعه بهذه العلامة، التى تختلف فى قبيلة عن الأخرى ومن تاجر لآخر داخل السودان، وتوضع علامة صفراء اللون فى أذن الجمال بعد الانتهاء من فحص الجمل فى المحجر البيطرى، والتأكد من سلامة العينة التى تؤخذ عشوائية من قطيع الجمال ويدون عليها باركود برقم مختلف لكل جمل.
الحاج عياد أبو عمار، يستطرد الحديث عن تجارة الجمال قائلاً "نستلم كميات الجمال القادمة من الحدود السودانية صباح يوم الإثنين من كل أسبوع ثم ندخل بها عقب ذلك إلى محجر أبوسمبل الثلاثاء صباحاً، ونعانى خلال هذه الفترة من تأخر العينة التى تسحب من الجمال وتسافر القاهرة لتحليلها فى المعامل المركزية ويتم الرد علينا عقب ذلك، فلو كانت العينة سليمة بتمشى، ولكن أحياناً يتم حجز الشحنات بالكامل لمدة 15 يوماً فى حالة الاشتباه فى جمل أو اثنين"، مشيراً إلى أنه خلال هذه الفترة تحتاج الجمال إلى مرعى وأكل وهو غير متوافر لكل كميات الجمال المحتجزة، بجانب معاناة شرب الجمال من المياه الموجودة فى مدينة أبوسمبل باعتبارها مياه غير صالحة للشرب لأنها مياه آبار، لافتاً إلى أنه كل أسبوع يتفاجئون بفرض رسوم جديدة تصل أحياناً 25 وأحياناً أخرى 50 جنيهاً عن كل رأس من الجمال.
وأوضح أبو عمار بأن أعداد الجمال الواردة من السودان أسبوعياً تصل من 5 إلى 6 آلاف رأس جمل لكل الأسواق فى أسوان أو القاهرة، سواء عن طريق منفذى آرقين بأسوان أو حلايب وشلاتين بالبحر الأحمر، وتقطع الجمال فترة التجارة من السودان إلى مصر على أقدامها مسافة تصل من 30 إلى 40 يوماً، ويقوم وكلاء تجارة الجمال فى تخليص الإجراءات الجمركية على الحدود الجنوبية، ويشتهر سوق الجمال فى دراو بأربع وكلاء فقط وهم "حسن عمار" و"زين قراشى" و"أحمد حافظ" و"محمود البرجسى".
فى السياق ذاته، قال عدلان عبد العزيز، تاجر جمال سودانى الجنسية، "أنا بتاجر فى الجمال من عام 1987، ولكن تجارة الجمال أصبحت متعبة عن السابق وغير مجدية، وذلك لأن المصروفات على الجمال وتجارتها ازدادت سواء من الجانب السودانى والمصرى عبر الحدود"، موضحاً أن الرسوم الجمركية تصل إلى 298 جنيهاً على الرأس الواحدة، وهناك رسوم أخرى تسمى برسوم "عبور" أثناء مرور الجمال عبر منفذ أرقين الحدودى الشرقى، وتسدد خلالها مبلغ 70 جنيهاً على الرأس الواحدة، بجانب دفع رسوم فى المحاجر البيطرية خلال فترة تواجدها لفحصها طبياً"، مؤكداً أن الرسوم والإجراءات ازدادت تعقيداً عن سابقها مما دفع عدد كبير من التجار إلى العزوف عن التجارة فى الجمال بسبب الأضرار التى لحقت بها، ويتبقى البعض الآخر الذى يحرص على استمرار تجارة الجمال حتى لو ربح 100 جنيه فقط على الجمل".
وأضاف عدلان عبد العزيز، أن سعر الجمل يحدد حسب سعر السوق وحجم الجمل، فأسعار الجمال تتراوح من 8 إلى 10 وتمتد لـ15 ألف جنيهاً، موضحاً أن التاجر يجلب تجارته من السودان بالجنيه السودانى، ويبيع جماله داخل مصر بالجنيه المصرى، إلا أن الدولار هو من يتحكم فى فرق السعر بين العملتين المصرية والسودانية، ومع ارتفاع الدولار ارتفعت أسعار الجمال الواردة من السودان.
وأشار عدلان، إلى أن الكميات الواردة من السودان أسبوعياً البعض منها يذهب إلى سوق دراو، والبعض الآخر يستكمل السفر بجماله إلى القاهرة، لافتاً إلى أن هناك بعض التجار يتقاضى مقابل بيع جماله نقوداً مادية، والبعض الآخر يتقاضى بضائع من مصر بكميات كبيرة يبيعها فى السودان، وهذا سائد بشكل كبير.
وليد حسن عمار، أحد تجار الجمال بدراو، أشار إلى أن سوق دراو للجمال تبلغ مساحته 9 أفدنة ملك شركة الأسواق المصرية، وتقام فيه تجارة الجمال يومى السبت والأحد من كل أسبوع، من حوالى الساعة 6 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ويأتى إليه التجار من كل محافظات الصعيد، وتم اختيار سوق الجمال فى مدينة دراو لأن هذا الموقع كان يعد أول مركز لاستقبال الجمال عن طريق البر، وتأتى إليه تجارة الجمال بعد أن كانت تقطع ما بين 30 و 40 يوماً سيراً على أقدامها.
وأكد وليد حسن عمار، أن الأهالى بمركز دراو يعملون فى تجارة الجمال دون تأمين عليهم، لافتاً إلى أنه فى حالة إصابة أحدهم يضطر الوكلاء وأصحاب التجارة إلى مساعدتهم وجمع الأموال من بعضهم لبعض كنوع من التضامن والتكافل بين التجار فيما بينهم.
ولفت "عمار" إلى أن هناك محجر بيطرى مجاور للسوق ذات مساحة واسعة ولكنه أغلق أبوابه وتم تحويله ونقله إلى مدينة أبوسمبل، وأصبحت أرض المحجر فى دراو غير مستغلة ومغلقة أمام توسعة السوق رغم الإنشاءات التى بداخل المحجر من "بوايك وزرايب ومواقف"، مناشداً بضرورة استغلال هذه المساحات فى توسعة سوق الجمال، خاصة أن مدينة دراو أصبحت ضيقة فى المساحة بسبب التوسع السكانى واكتظت بالسكان، حتى أن الأحواش القريبة من السوق بدأ الأهالى أصحابها يستغلونها فى البناء والإقامة، لذلك لابد من الاستفادة من المحجر البيطرى ونقل إجراءاته الصحية إلى مدينة دراو بالقرب من السوق، لتسهيل الوقت والجهد ومشقة السفر إلى مدينة أبوسمبل جنوب مدينة أسوان بنحو 300 كيلو متراً.
فى السياق ذاته، قال الطفل عبد الرازق محمد، 12 سنة، إنه يأتى إلى سوق الجمال يوم السبت من كل أسبوع برفقة والده ليتعلم منه تجارة الجمال ويكتسب منه كل المهارات عن هذه التجارة حتى يصبح كوالده فى تجارة الجمال، مضيفاً أن يحافظ على انتظامه فى الدراسة ويحاول أن يوفق بين استذكار دروسه، وأيضاً حبه وتعلقه بتجارة الجمال.
بوابة سوق الجمال بدراو
طفل يتعلم من والده تجارة الجمال
تجار الجمال
سائحون أجانب داخل السوق
الطيور تقف على ظهور الجمال
جانب من عملية تحميل الجمال قبل سفرها
شد الجمال لتحميلها على العربات
تجارة الجمال فى دراو
مسجد داخل سوق الجمال
الاستراحات داخل السوق
علامة صفراء توضع للجمل بعد فحص المحجر البيطرى
صحفى اليوم السابع مع تجار الجمال
تجار الجمال داخل السوق
أثناء إثارة الجمال قبل بيعها
تدوين الملاحظات على أسعار الجمال
حلقة بيع وشراء داخل السوق
الوسم علامة على رقبة الجمل
صحفى اليوم السابع مع أحد تجار الجمال
الجمال أثناء خروجها من السوق
سوق الجمال بدراو
بائع المستلزمات الحديدية للجمال
طفل يتمشى حافياً فى السوق
أثناء عد الجمال الخارجة من السوق
سيدات داخل السوق
تجار جمال يقف بجوار جماله
تجار الجمال يمسكون بالعصا الخرزانة
تجار الجمال يجلسون على المقاعد
مسن يحرص على التواجد فى السوق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة