فى تصورى المتواضع أن أهم ما أصابنا فى السنوات الأخيرة هو انتشار الكراهية
حينما يجتاح حياتنا هذا الكم من المغالطات والانكسارات والغموض، فلا مناص من أن نهتز، ولا فرار من أن نضطرب، وليس بعجيب أن يصاب بعضنا بالجنون. وإن كان الجنون يصبح أحيانًا نعمة، فهو الجنة التى تسافر لها العقول بعدما سحقها ظلم الأرض، وهو الجدار الذى يخفى عن صاحبه قسوة الناس، ولكن معظمنا لا نال الهدوء على الأرض ولا اختفى بجدار الجنون عن شراسة الحياة.. أغلبنا يقف على حافة الاضطرابات النفسية، من اكتئاب وقلق ووساوس وفوبيا واغتراب.. الملامح فى الشوارع غاضبة مشحونة حادة متحفزة، النزاعات والمشاحنات فى أى شىء، وبلا أسباب أو مقدمات، مظاهر التعسف والعنف أصبحت واضحة فى تعاملاتنا اليومية، إما بالكلام أو بالإشارات أو بالنظرات، عدم الثقة واللامبالاة والاستقواء أصبحت من علامات المجتمع، أصبح من النادر أن تجد وجوهًا سعيدة مستبشرة وهى ذاهبة للعمل، أو أن يطل عليك وجه باسم وأنت تبيع أو تشترى! حتى أصبح التوحد والتقوقع سمة أو أسلوب حياة، فهل هذا طبيعى؟! ولماذا تزداد حدة هذه الظواهر؟ ولماذا تنتشر بين الناس؟
طرحت على أصدقائى بـ«الفيس بوك» هذا السؤال: هل المشاكل والعقد النفسية لها علاقة بالبلد والجنسية؟
كنت أتصور أن أغلبهم سيضحك، أو يرد بطرافة أو بسخرية، أو يناقش القضية بشكل إنسانى مجرد، لا فرق فيه بين مصرى وأمريكى ويابانى، ولكننى اكتشفت أن الكل يدرك جيدًا هذه التغيرات، ويرى اهتزازات واضطرابات سلوكية ونفسية تجتاح من حوله، كل منهم قدّم أسبابًا منطقية، ورؤية شخصية لارتباط الجنسية المصرية باضطراباتنا النفسية. «طارق وأحمد وحسن والباز» قالوا إن مستويات الفقر المرتفعة، وانخفاض الدخل، وانتشار البطالة والجهل والمرض، يصيب أى مجتمع بالسكتة الدماغية، وليس بالاضطرابات النفسية فقط، قالوا إن الحفاظ على كرامة المواطن وحقوقه هى التى تحافظ له على سلامة عقله، أما الفزع من الأمن أو البلطجية، والخوف من الظروف الاقتصادية الصعبة أو السياسية المتخبطة، فلابد أن تؤدى إلى هذا الاضطراب والتوهان، بينما «سها وسونيا وعزة وعبير» يعتقدن أن الخلل النفسى الذى أصابنا بسبب الخطاب الدينى المنحرف والمتشدد، والتناقض الذى نعيشه بين مظهر الطيبة والورع الذى نحيط به أنفسنا، وبين العنف والفساد اللذين أصبحا جزءًا من تركيبتنا الاجتماعية، وعدم وجود أى رادع قانونى أو أخلاقى لمواجهة هذا الشطط، قالوا تذكر كيف كان المصريون قبل ظهور التشدد والتطرف الدينى، وكيف كانت الحياة بسيطة بلا عقد أو مشاكل، أما «إيمان وعصام وشيخون وعمرو» فكتبوا مظلمة طويلة عن اختفاء العدالة الاجتماعية، سواء فى تعاملات الدولة مع الأفراد، أو فى تعاملات الأفراد مع بعضهم البعض، فلا رحمة، ولا إنسانية، ولا احترام.. مجتمع يحترم الفاسدين واللصوص، ودولة تتصالح مع المجرمين، وتمجد الشر، وتجمل القبح، كل هذا يؤدى إلى فقدان الثقة والاغتراب والجنون. قالوا إن حقوق المواطنة ضائعة، وحقوق الوطن غائبة، فما بين الفقر المدقع والفساد المفجع يقع الناس فى اللامعقول، بينما يعتقد «فيصل ونسرين ومى وعماد» أن المشكلة تكمن فى ضعف الوازع الدينى، وانعدام التربية، وعدم وجود قيمة للفضيلة والأخلاق. كلهم أجمعوا على أن السفر للخارج، سواء للعمل أو السياحة أو الهجرة، يغير فى نفسيتهم الكثير.. إن الحياة فى الكثير من الدول تمنح مقدارًا أكبر من الراحة النفسية، رغم الغربة، ورغم أن بعضها لا يختلف عن مصر فى المشاكل الاقتصادية أو النظم السياسية.. فى تصورى المتواضع أن أهم ما أصاب المصريين فى السنوات الأخيرة هو انتشار الكراهية، ولا أعرف هل هذا عرض أم من أسباب المرض، ولكننا جميعًا ناقمين على بعضنا البعض على اختلاف الثقافات والسلطات والمستويات الاقتصادية.. مجتمع فقد قلبه لا بد أن يفقد عقله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة