زينب عبداللاه

عندما تأخرت فرحلت أمى دون وداع

الأربعاء، 22 مارس 2017 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى ذاك اليوم وأنا فى طريقى إليك أخبرونى أنك لست بخير، شعرت أننى فى سباق مع الموت، أسرعت أحاول أن أسبقه، وقلبى يراه يقترب منك، تمنيت أن أصلك قبله، دعوت الله أن يؤخره، كانت الشوارع مزدحمة والمسافة أطول من المعتاد، الدقائق والثوانى تمر بطيئة ثقيلة فهل تنتظرينى يا أمى.

لم أفهم نظرتك وأنت تسألينى آخر مرة فى آخر لقاء: "هتيجى بكرة"، فأجبتك:" مش هاقدر، هاجى بعد يومين"، حينها رفعت يا أمى عينيك تنظرين إلى وجهى نظرة لم أفهمها وقتها، ولم أترجمها إلا بعد فوات الأوان، وكأنك تحتفظين بصورتى، وتخبرينى بأن الأجل سيسبقنى إليك، ومر يومان لم أراك فيهما.

لهثت حتى أصل إليك، كان الباب مفتوحا، دخله الموت قبلى، رأيته لأول مرة كما لم أره من قبل، التفت لينزع روحى وأنا أنظر إلى وجهك، نظر إلى منتصرا ومعلنا "ماتت من كان يكرمك الله لأجلها فماذا ستفعلين؟"

هل أشفقت على ياأمى، فأردت أن تخرج روحك دون أن أرى هذه اللحظة، هل كان لديك ما تودين قوله لى كعادتك وأنت تحتفظين بكل أسرارك معى دون سائر اخوتى السبعة،ولكنى خذلتك هذه المرة، هل قاومت الموت تنتظرين لقائى فأصابك اليأس واستسلمت روحك.

شعرت أنك تنظرين لى، تنتظرينى أن أغمض عينيك، ليكون وجهى آخر ما ترينه.

حاول الطبيب إنعاش قلبك، بينما يزلزل صراخ إخوتى جدران المنزل، حينها شعرت أنك توصينى بتهدئتهم، وأن أطلب من الطبيب أن يكف محاولاته ويدعك تستريحى.

 جلست إلى جوارك أمسكت بيديك، ظننت أن الحياة ستصلك من بين أوردتى وشرايينى وأنك ستعودين وتنتصرين على الموت، وأن النبض سيسرى من جسدى إلى جسدك، لكننى حينها شعرت بضآلتى، فأوردتى وشرايينى ونبضى عجزوا أن يمنحوك الحياة كما فعلت أوردتك ونبضك وشرايينك وحبلك السرى حينما منحونى الحياة.

 نمت إلى جوارك وتمنيت ألا يمر الوقت، وأن تصبح هذه الليلة الأخيرة كل عمرى، وألا يأتى الصباح حتى لا تفارقينى إلى الأبد.

 كيف يخلو سريرك كيف أدخل البيت فلا أراك وأسمع صوتك، كيف أتنفس وأنت لا تشاركينى هواء الدنيا، كيف أعيش على ظهرها وأنت تحت التراب؟

 لم أتوقع موتك يوما، ظننت أن المرض الذى أصابك وأنت فى سن الشباب صار صديقا ولن يغدر بى وبك، مها اشتد فى علينا وأتعبنا، ليتنى يا أمى لم أطمئن، ليتنى ما فارقتك، وما تركت لحظة دون أن أرتمى فى حضنك وأقبل يديك.

شغلتنى الدنيا والعمل والأولاد وكنت مطمئنة أنك لن تفارقينى، وسأعود إلى بيتنا فأجدك تضحكين وتفرحين وتميزيننى عن سائر أخوتى فأنا الكبيرة الصديقة والرفيقة وخازنة الأسرار، تحضرين ما أحبه من طعام، ونتشارك معا الأحزان والأفراح، ولكن باغتنى الموت، نزع روحى قبل أن ينزع روحك، أخبرنى أن كل ما شغلنى عنك هراء، جعلنى أندم على كل يوم مر دون أن أراك.

خدعتنى ياأمى كلمات المحيطين ومدحهم فى برى بك ولم يدركوا أننى قصرت فى كل لحظة تركتك فيها.

 ها أنا ذا أجهزك للرحيل، ألبسك الكفن، أدعهم يحملونك ويضعونك تحت التراب ويغلقون عليك القبر، وأنا أنظر باستسلام، واكتفى بالدعاء.

كيف مرت هذه اللحظات، كيف مرت هذه السنوات دونك، كيف استطعت أن أنام على فراشى وأنت نائمة وحدك فى القبر، هل هى قسوة منى ياأمى أم أنه الصبر؟

الآن فقط أفهم وأكتشف ما لم أدركه وأفهمه وأنت على قيد الحياة، فنحن معشر الأبناء نظل جاهلين لا نفهم حكمة الآباء والأمهات حتى نكون مكانهم، ننتقد تصرفاتهم ونرفضها ونفعل مثلها عندما نكبر ونصبح أكثر حكمة.

 اليوم يا أمى أدرك حكمتك فى كل ما كنت أنتقده، أتحدث وأتصرف مثلك، أنظر فى المرأة فأرى وجهك، اليوم عرفت أن نور قلبك كان يرى أبعد مما نرى، فيدرك الخطر ويعرف مواطن النجاة.

اليوم يا أمى أتمنى أن أراك فى المنام وأن يجود النوم بما بخلت به الحياة، أصبح تأخرى عنك فى ذاك اليوم ذنبا يؤرقنى ولن أغفره لنفسى ما حييت.

 اليوم ياأمى لم أعد أخاف الموت، فهو السبيل إلى لقائك، أطمئن أننى سأجدك فى انتظارى ولن تتأخرى عنى مثلما تأخرت، فمتى يحين اللقاء؟










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة