الصديق أحمد محمود واحد من أهم المترجمين المبدعين، أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب، وكانت ترجماته كاشفة عن ثقافة وعمق، ومعروف أن الاختيار للترجمة فى حد ذاته انحياز لأفكار وفلسفة، تعرفت عليه منذ 2002، عندما صدر كتاب «صناعة الخبر فى كواليس الصحافة الأمريكية جون ماكسويل هاملتون وجورج أ. كريمسكى» من كبار الصحفيين، اللذين تناولا الصحافة كأهم «صناعات العولمة»، والتى أصبحت سلطةً لا تكتفى بدور محايد، بل تحرك وتوجه تفكير الجمهور.
يومها أعجبت بالكتاب وترجمته، ولفت نظرى اسم المترجم أحمد محمود، والترجمة ليست نقل جمل ولغة، لكنها مع مترجم مثقف إعادة تأليف، بعدها تواصلنا وقامت بيننا صداقة، وكان اسمه على أى كتاب، يعنى أننا أمام عمق وفكر، وكنت أقول له «أنت شاعر الترجمة».
ترجم أحمد محمود عشرات الكتب المهمة، تتناول زوايا مهمة فى الفكر الغربى، والعولمة وكتبا تسجل رؤى المستشرقين عن مصر، مثل «الناس فى صعيد مصر.. العادات والتقاليد» تأليف وينفريد بلاكمان، وهو نتاج معايشة للفلاحين بمصر، وأسلوب حياتهم ومعتقداتهم وتقاليدهم، وأيضا كتاب أبناء الفراعنة المحدثون: دراسة لأخلاق أقباط مصر وعاداتهم، تأليف س. هـ. ليدر، وهو كتاب نادر منشور عام 1918، عن حياة أقباط مصر والفقراء والأغنياء ورجال الدين وطقوسهم وموالدهم، وموقف المسيحى الشرقى داخل كنيسته والعلاقة بالتراث الفرعونى.
أيضا قدم أحمد محمود ترجمة لكتاب «طريق الحرير»، لإيرين فرانك، عن الطريق الذى سار عليه دعاة البوذية والمسيحية، والتجار العرب الذين نشروا الإسلام فى آسيا، وجيوش الإسكندر، وقورش، وجحافل جنكيز خان، وهولاكو، وتيمورلنك؛ وأقاموا الإمبراطوريات، وأيضا سار على طريق الحرير ابن بطوطه، وماركو بولو، والرَّحالة العظام.
ومن أهم ما ترجمه أحمد محمود كتاب «عالم ماك»، لبنجامين عن معاداة التأقلم والعولمة للديمقراطية، وكيف تدمر الرأسمالية الكونية العدمية القيم فى سبيل الربح، أيضا قدم أحمد محمود كتاب «الاقتصاد السياسى للعولمة، عن الرؤى المتفائلة أو المتشائمة للعولمة، وعلاقتها بسيادة الدول، وكتاب «التحالف الأسود: وكالة الاستخبارات المركزية والمخدرات والصحافة»، ويرصد فيه جيفرى سانت كلير وألكسندر كوكبرن كيف استخدمت الاستخبارات الأمريكية المخدرات لدعم عملائها من المعارضة وشراء الأسلحة والذمم وكيف توظف الصحافة لتبرير الكذب.
أيضا قدم أحمد محمود «الإمبراطورية والجمهورية فى عالم متغير»، و«الشرق الأوسط والولايات المتحدة»، و«ما بعد الليبرالية»، والحياة بعد الرأسمالية». وأغلبها من مشروع الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، هذه الكتب وغيرها تكشف عن مترجم من كبار المترجمين والمثقفين، وكان يعمل فى صمت وبتواضع، وإخلاص، حتى رحل عن عالمنا فى صمت تاركا تراثا مهما من الثقافة، يمكث فى الأرض.
رحم الله الصديق الكاتب والمترجم أحمد محمود شاعر الترجمة، ونفعنا بما قدمه من أفكار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة