وائل السمرى

سيد مصر.. سيد درويش

الجمعة، 24 مارس 2017 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لو كان الأمر بيدى لوضعت له تمثالًا فى كل حى من أحياء مصر، ليس لأنه أعظم موسيقى فى تاريخنا الحديث فحسب، لكن لأنه كان بألحانه ومواقفه وحياته تجسيدًا حيًا لمصر بشحمها ولحمها، بفخرها وانكسارها، وهو ابن بلد، وابن الإسكندرية، وابن البحر، وابن السهر، وابن السكينة، وابن النزق، وابن الحزن، و«ابن نكتة» أيضًا، لا تفارق الابتسامة شفتيه، ولا تفارق الدمعة عينيه، هو إنسان، أخلص لإنسانيته، لروحه الشفافة الرقيقة كما يصفه نجيب الريحانى، التى كانت ثائرة على قيود الجسد، فعاش فى الموسيقى، وعاش للموسيقى، فأصبح تاريخًا محمولًا فى الصدور، برغم مرور 125 عامًا على ميلاده.
 
«الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية» يقول، وتهل علينا «الحلوة» المشتهاة، «ده بأف مين اللى يألس على بنت مصر بأنهى وش» يقول، وتهل عليها «ست جيرانها» التى لا يقدر أحد على المساس بها، «أنا المصرى كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرمين» يقول، فنرى المصرى الأصيل المكافح يقف شامخًا، «قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك» يقول، فنرى المصرى يعافر ويتعثر ويقع وينهض، «بوخمار الخنفشار سان خرسيس مرسيس» يقول، فلا نفهم شيئًا مما يقول، لكن جوارحنا تهتز، وقلوبنا تبتهج، وعيوننا تنتعش، فنردد معه «آن ديوسن با أبد الله اضرب يا إدريس».
 
عمره الفنى لا يزيد على السنوات الست، لكن فعل فيها ما لا يقدر على فعله أحد فى ستين عامًا، وكانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لى أن أعرف أنه كان طويلًا عريضًا، بحسب ما يصفه نجيب الريحانى، الذى أرجوك أن تبحث عن كلمته على موقع «يوتيوب» لترى بعينك سيد درويش الذى لا يعرفه أحد، فقد رثاه «الريحانى» بكلمة مؤثرة لا تخلو من الفكاهة والمرح واستعراض المواقف المربكة بعد أن مات وهو ابن الـ31 عامًا، حيث قال «الريحانى»: «كان روحًا هائمة على وجه الأرض، تستعجل أيامها فى الحياة، وكأن الحياة حمل ثقيل تريد التخلص منها، وكان الموت لا يغيب عن باله أبدًا وكأنه يعيش معه، وفى عز مجده أهدانى صورته التى كتب تحتها من ميت إلى ميت».
 
حكاية أخرى يذكرها «الريحانى» عنه إذ يقول: «كنت على خلاف معه وجلسنا عند صديق لنا لنتعاتب، وحينما تناقشنا احتدم النقاش إلى آخره، وبينما نحن فى أوج الشجار زقزق عصفور بجوارنا، وفى لحظة واحدة هدأ سيد درويش وأمسك عوده وأطفأ المصباح، وهات يا غنا، ولمدة نصف ساعة ظل يعزف ويغنى ثم سكت، وحينما رأيته بعد إضاءة المصباح وجدته يبكى والدموع قد أغرقت وجهه، فحضنته وبكيت معه».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة