ماهر المهدى

ممكن فلوسك لو سمحت ؟!

السبت، 25 مارس 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

من الغريب فى الحياة أن تصبح نكات بعض العصور حقائق فى عصور أخرى، ليكون الناس أضحوكة أمام أنفسهم ربما، أو شهداء على إنسانية الإنسان، وعلى ضحالة عالم الإنسان وضعفه رغم ما توصل إليه من اكتشافات وعلوم . ومن النكات القديمة التى شاهدناها – ونحن صغار - فى أحد أفلامنا الكوميدية الطريفة، أن أناسا تورطوا فى مشروع للتجارة دون أن يحوزوا تجارة، وللخلاص من الأزمة لجأوا إلى باحث ليخترع لهم منتجا جديدا والسلام ليحمل اسما بلا معنى ويتم الإعلان عنه، وبذلك ينجو المتورطون بأنفسهم. وقد ضحكنا كثيرا ملء أشداقنا – ونحن صغار - على هذه الفنتازيا اللطيفة التى تنبع الكوميديا فيها من غرابة الحل الذى نجا به عصبة المتورطين . إذ أن الحل فى الحبكة الكوميدية التى أهلكتنا – حينها – من الضحك كان بمثابة اللامعقول الذى ينتجه باحث أقرب إلى المجنون منه إلى رجل العلم.

الآن نجد بعض القنوات تستعين ببعض الوجوه المعروفة لترويج المنتج اللى ما يتسمى الذى يشفى كل شىء ويعالج كل الآلام فى الظهر والبطن والذراعين والرأس والعينين وجميع أجزاء جسمك، ويعالج العضلات والعظام وكافة ما قد تشتكى منه من ألم. وهو منتج خارق ويصلح لجميع الأعمار ويعطى نتيجة فورية. فهل يتصور أحد أن هذا الهجص يقدم إلى الناس على مرأى ومسمع من الجميع ؟ على مشهد من الناس جميعا، وعلى مشهد من السلطات جميعا . هل يصدق أحد هذا الرهان على الاستهزاء بعقول الناس جميعا وبنقودهم وعلى حسابهم؟ هذه هى الكوميديا الجديدة فى الحياة ولا شك . والأغرب أنها مستمرة، وليست ليوم أو أسبوع . هل تصدق هذه الجرأة على الناس وعلى المجتمع وعلى السلطات كافة ؟ّ! هل تصدق كيف يعامل المجتمع ككل معاملة الإنسان البسيط الذى قد لا تسعفه تجاربه فى الحياة لنقد ما يطرح عليه أو تفنيده أو الحكم عليه حكما صحيحا ؟ أم أمن المغامرون العقاب وأغراهم – ومازال قطعا – يغريهم المكسب المادى الضخم الذى تدره عليهم مبيعات المنتج المسحور النابع من قيعان البحور والمحيطات، بحيث لا يهمهم أبدا أن يثور عليهم أحد أو سلطة من السلطات التى قد تنتبه إلى الفبركة التى يتعرض لها المواطنون على مدار الساعة لابتزاز أموالهم بزعم الشفاء العاجل من جميع الأمراض ومن جميع الآلام؟

بالمثل نجد الكثير من إعلانات علاج السحر والمس وجلب الحبيب وكشف الغريب وتحقيق الأحلام فى الإنجاب وفى الغرام دون تكبد المشقة أو معاناة الأرق والمذلة، وذلك بالاتصال على الشيخة فلانة والشيخ فلان البارعين فى علاج كافة شكاوى الإنسان وفى إيجاد راحة البال ولو كان من المحال . ولا يتردد الداعون إلى هذا العلاج فى الاستعانة ببعض الدعاء الدينى الذى قد يصبغ على الإعلان قدرا من الوقار الدينى ويجعل بعض الحالمين بانفراجة - لظروفهم الصعبة - يتعلقون بأمل زائف – ولو كانوا مثقفين – ويخرسوا عقولهم الرافضة للعبث ويسددوا أموالهم وخصوصياتهم إلى المدعين المقتحمين على الناس حياتهم بصلف وغرور . وبالمثل، تنتشر اعلانات الأجهزة الرياضية التى يمكن أن تجعل من الفيل غزالة نحيلة رشيقة تسابق الريح وتقفز فوق الحواجز – خلال شهر - ودون ألم من تدريبات شاقة، ويمكن أن تجعل من شخص بدين بطلا فى كمال الأجسام دون جهد يذكر . فقط على المرء أن يستخدم الشىء محل الاعلان لخمس دقائق – وهو جالس يشاهد فيلما ظريفا ويسلى نفسه بقطعة لذيذة من البيتزا جيدة الصنع . ولا ينتهى الاستفزاز السافر عند هذا الحد، ولكنه يتصل فى شبه تحذير من ممارسة الرياضة لمحاولة تحقيق حلمك فى جسد رشيق أو فى خفض وزنك قليلا بدعوى أن من شأن الممارسة المعتادة للرياضة أن تؤلمك وأن تسبب لك المتاعب والإحراج الذى لا يحب أحد أن يعانيه أو يختبره فى يوم ما . والأمر هنا لا يقف عند محاولة تسويق الوهم على أنه علاج ناجع وسريع، ولكنه يتجاوز الحدود الى تنفير الناس من ممارسة الرياضة بشكل فج وصريح ويتعارض مع مصلحة المجتمع التى تقوم على البناء وعلى التشييد وعلى الجهد، وليس على النوم والخمول وملازمة الراحة وإيثار المرض.

إن ما نراه فى هذه الاعلانات هو – فى الحقيقة – مرحلة جديدة من النصب فى الحياة أو جيل جديد من النصابين العتاة، وليس مجرد حادثة وخلاص ويمكن تداركها . بل هو عمل منظم يستهدف استنزاف أموال الناس بالباطل ووضعهم مسؤولين أمام أنفسهم . والسؤال الذى يحيرك ولا يجد إجابة أبدا حتى الآن على ما يبدو : لماذا لا تتدخل جهات مسؤولة وتحمى المواطن من العبث بعقله، أو المستهلك من حملة استهبال، أو النظام العام من محاولات للعبث بقيمه وتطعيمه بقيم التواكل والضعف والاعتماد على الخرافة، أو أموال الشعب من التعرض للنهب المنظم مقابل لا شىء ؟ حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها الى الخير










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة