بعد انقضاء أسبوع واحد من القرار الملكى بإعفاء الاخوانى - رئيس حزب العدالة والتنمية - عبد الاله بنكيران من تشكيل الحكومة المغربية، وتكليف قيادى آخر من الحزب الاسلامى ذاته بدأت الشروخ والانقسامات تدب فى جسد إخوان الرباط، حيث يتحدث عدد من القيادات عن مؤامرة ما كانت تحاك منذ ظهور نتائج الانتخابات فى اكتوبر الماضى وتصدر الحزر الاسلامى للانقلاب على المنهجية الديمقراطية.
تلك الانقسامات تصاعدت حدتها منذ مساء امس حيث اعلن رئيس الحكومة المغربية المكلف سعد الدين العثمانى عن انتهائه من تشكيل الحكومة المغربية عبر ائتلاف يضم 6 احزاب، وهم إضافة إلى حزبه العدالة والتنمية الذى يملك 125 نائباً بالبرلمان، والتجمع الوطني للأحرار 37 نائبا، والحركة الشعبية 27 نائبا، والاتحاد الدستوري 19 نائبا، والتقدم والاشتراكية 12 نائبا، والاتحاد الاشتراكي 20 نائبا.
اعلان العثمانى وقع على قيادات حزب العدالة والتنمية كالصاعقة، حيث كان الحزب سابقا يعترض على مشاركة الاتحاد الاشتراكى فى الحكومة، وهو الرفض الذى ظل بنكيران متمسكا به بدعم من الحزب مما ادى الى تعثر مشاوراته لتشكيل الحكومة المغربية لمدة خمسة أشهر بدءا من تكليفه فى اكتوبر الماضى وحتى قرار ملك المغرب محمد السادس منذ أسبوع بإعفائه من التكليف، ليكون العثمانى بذلك قد كسب ود الملك الذى اشترط عليه ان تكون الحكومة جاهزة قبل القمة العربية الاربعاء المقبل التى ستعقد فى الاردن وسيحضرها الملك وعدد من الوزراء.
وأشار العثمانى إلى أن "هذا القرار أملته الإرادة الحاسمة لتجاوز العقبات التي حالت دون تشكيل الحكومة في الفترة الماضية”، لافتا إلى أنه سيتم تشكيل لجنة لإعداد برنامج الحكومة بالتوازي مع مشاورات توزيع الحقائب، مضيفا أن “أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد ستعمل على الاتفاق على هيكلة الحكومة الجديدة وتوزيع الحقائب ابتداء من الأحد".
حالة الغضب انتابت اعضاء من الهيئة العليا للحزب ادا الى انقسامهم الى فريقين احدهما مؤيد للعثمانى وتنازلاته حفاظا على استمرار قيادة الحزب للحكومة، وفريق آخر مؤيد لمواقف بنكيران والذى اعتبر ان التنازل عنها بمثابة تنازل عن مبادئ الحزب وبداية انهياره شعبيا، وحاول الفريق المؤيد للعثمانى تهدئه الاوضاع خلال اجتماع عاصف مساء السبت مؤكدين إنه "ليس هناك سياسة بدون تنازلات".
وقال لحسن الداودى عضو الأمانة العامة (أعلى هيئة تقريرية للحزب)، أن حزبه يتبنى مبدأ تغيير الأحكام بتغيير الأمكنة والأزمنة، لافتا الى أنه بعد تغير الظروف، وبروز مستجدات بالمشهد السياسي، كان لابد أن يتأقلم الحزب مع هذه المستجدات، وأضاف الداودى، وهو وزير التعليم العالي السابق، إن “بنكيران طالب أعضاء الحزب طي صفحته، وفتح صفحة جديدة للحزب بعد قرار إعفائه".
بنكيران ترك اجتماع الحزب وانصرف مبكرا حتى لا يضطر الى تأييد التشكيلة الحكومية الجديدة التى رفضها عندما كان رئيسا للحكومة، وشبه المرحلة التي يمر بها حزبه بالنهر الذي يمر من منعرجات ومشاكل. كما أكد أن العدالة والتنمية يمر بمرحلة صعبة يتقاسمون مسؤوليتها جميعا، معتبرا أن ستة أشهر التي سبقت الانتخابات وستة أشهر التي تلتها كانت أصعب مرحلة يمر بها الحزب، مشدداً على أن خصومه كانوا يظنون أنه بعد مدة سيرضخ للضغوطات وسيتراجع إلا أنهم تفاجؤا بالعكس، مشددا على انه ادار مرحلة مشاورات الحكومة في إطار منهجية الحزب بوضوح وصراحة.
وتصعيدا للخلافات وصف نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سليمان العمراني، الاتفاق الذى قاده رئيس الحكومة الجديد مع الاحزاب لتشكيل الحكومة ب"صلح الحديبية"، حيث كتب على صفحته بموقع " فيس بوك" يجب استخلاص دروس "صلح الحديبية"، خلال المشاورات والمفاوضات التي بدأها رئيس الحكومة المعين، مع الأحزاب الأكثر تمثيل في البرلمان، وقال في تدوينته "إرادة الشعب المغربي يوم 7 أكتوبر أن نرأس الحكومة لا أن نكون في موقع آخر ".
وتسببت التدوينة فى حالة غضب داخل الأوساط السياسية فى المغرب، حيث قال الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، أن العمراني عندما يقارن بين مشاورات ومفاوضات العثماني، و"صلح الحديبية"، فإن "خطابه يضمر تمييزا خطيرا بين فريقين، على قاعدة التدين والإيمان، فريق الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفريق قريش. فريق المسلمين وفريق الكفار"، مستغربا من لجوء العمراني إلى "الأحاديث النبوية الشريفة لتبرير مسألة سياسية ظرفية مرتبطة بشروط عرضية في الزمان والمكان".
ولفت العماري إلى أنه "عندما نقول إننا نخاف على الوطن من خطورة استغلال المشترك الديني، فنحن واعون بأن الأمور جدية، ولنا في تاريخ الأمم والشعوب دروس وعبر"، مؤكدا أن "هذا ما يجعلنا نردد دائما بأن الفعل السياسي هو فعل بشري، وبأنه من غير المقبول أبدا استغلال المشترك الديني لأغراض حزبية فئوية ضيقة"، وتساءل "لماذا يصر السياسيون في بلادنا على تغليف أفعالهم وسلوكاتهم الدنيوية بالنفحات المقدسة والعبر الدينية المشتركة لمنح مضامين تضفي على هذه الأفعال والسلوكات صفة القدسية والطهرانية؟".
وفى ظل هذه الازمة يرى المراقبون ان الحزب الاسلامى الاول فى المغرب - والذراع السياسى لتنظيم الاخوان الدولى بالرباط - يعانى من هزه عنيفة قد تؤثر على مستقبله السياسى، فلن يكون الحزب متحكما فى قرار الحكومة المقبلة بعد ان قدم كل التنازلات لشركائه، وسيظل يعانى من فكر المؤامرة التى بدأت تسيطر على قطاع كبير من قياداته بان الدولة العميقة فى المغرب تحارب هذا النمو الاسلامى وتحاول تحجيمه بعد ان استطاع النلك ابعاد بنكيران عن المشهد الرجل الاكثر تأثيرا فى الجماعة، واستبداله برجل اصلاحى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة