يستيقظ من نومه مهموما، يفتح أعينه على مانشيتات الجرائد فحسب، لا ينام إلا بالبدلة الكاملة، يحرص على فردها جيدا فربما يقابل أحدا على حين غرة فى الحلم، يحرص تمام الحرص على ألا يصدر منه «شخيرا» أثناء النوم، فلا يليق بالزعيم أن «يشخر» كما يحرص على ألا يخرج منه ريح، فالزعيم يتحكم بكل شىء فى أى وقت وفى كل مكان، يتكلم الفصحى أو «العامية المفصحة» فحسب، لا يمشى فى البيت إلا باستقامة، لا «يكوع» مثلا ساعة عصارى، ولا يخاطب ابنه إلا بالقول «يا سيد خالد» أو يا «سيد عبد الحكيم»، أما بنات الزعيم فالأمر مختلف تماما، وفى الغالب فإنهن من شمع وعطر لا من لحم ودم، لا يتكلمن، ولا يأكلن، ولا يمشين فى الأسواق، ولا يغضبن، ولا يتزوجن، هن بنات الزعيم، لا يحق لأحد أن يمسسهن، وأنت إن كنت تظن أن هذا الأمر صحيح فما عليك إلا المرور بأقرب طبيب نفسى ليعالجك من تلك الأوهام الغبية التى لا تليق ببشر.
للأسف اضطر هنا إلى التأكيد على أن البشر بشر، يأكون ويغضبون ويدخلون إلى الحمامات، ويقومون بجميع الأنشطة الطبيعية التى قوم بها أى إنسان، يتزوجون، وينجبون ويفرحون ويحزنون ويزوجون أبناءهم ويرقصون فى أفراحهم أيضا، وللأسف أؤكد هنا أننا يجب أن نتعامل مع أنفسنا باعتبارها «أنفسنا» لا قداسة ولا تحقير، من حق كل البشر أن يفعلوا كل ما يفعله البشر، وما تلك «الهوجة» التى صاحبت نشر فيديو رقص ابنة الزعيم «جمال عبد الناصر» إلا دليل تخلف ما زلنا نحيا فى أسره، وآية من آيات تراجع عقولنا عن الإدراك، وللأسف ليس هناك من دليل على مدى تخلفنا وتراجعنا أكثر من مثل هذه الأمور، ففى الوقت الذى نستقبل فيه تداول فيديو لرئيس أمريكى وهو يرقص مؤكدين على أن «الخواجة» يفهم أكثر ويستمتع بحياته أكثر، يكون رد فعلنا على تداول فيديو لابنه الزعيم جمال عبد الناصر هو اللوم وعدم الاحترام.
بمثل هذه الأفعال نقمع أنفسنا، وبمثل هذه الآراء ندفع المجتمع كله إلى الكذب، فالشخصية العامة التى تتعمد كبح انفعالاتها حتى فى أشد حالات فرحها هى بالتأكيد شخصية كاذبة يقدر أن يخفى الحقيقة على الجميع بإزاء أى قضية أخرى، ومن هنا يصبح «الرقص» تعبيرا عن الفرح، من أهم العوامل التى يصح أن نجعل منها مقياسا على الصدق.