صدر مؤخراً كتاب "بنات النيل - سيدات مصر يغيرن عالمهن" والذى أصدرته دار نشر بريطانية خلال أسبوع أنشطة مفوضية الأمم المتحدة لشئون المرأة بمدينة نيويورك، حيث يستعرض الكتاب قصص نجاح 38 امرأة من المصريات البارزات اللائى أثرين التاريخ المصرى، وحققن إنجازات فى جميع المهن، ومن أعمار مختلفة وفى مجالات مختلفة، سواء فى المجال العلمى أو الاقتصادى أو المالى أو السياسى أو الاجتماعى أو التنموى أو الخيرى أو الفنى أو الإعلامى أو التعليمى أو الثقافى، وتم الاعتراف بنجاحاتهن فى مصر وبلاد أخرى وكرمن من أعلى المؤسسات والحكومات الوطنية والدولية شأنًا.
الكتاب صدرعن دار كمبريدج للنشر لمؤلفته المصرية المقيمة فى فرنسا الكاتبة سامية سبنسر، ومن بين الشخصيات الذين تضمنهم الكتاب، كانت الدكتورة هالة السعيد وزير التخطيط والمتابعة والاصلاح الإدارى، والتى عرفها الكتاب بأنها "هالة حلمى السعيد خريجة الاقتصاد والعلوم السياسية والتى عينت معيدة فى الكلية فى قسم الاقتصاد واستمرت حتى حصلت على منصب العميدة كأول عميدة منتخبة للكلية فى عام 2011، وهى الطالبة هالة حلمى السعيد التى حصلت على المركز السادس فى الثانوية العامة بعد أن كانت رئيس اتحاد طلاب مدرستها وتم اختيارها كأفضل رئيس اتحاد للطلبة".
وينشر اليوم السابع الجزء الخاص بالوزيرة هالة السعيد.
الأب القدوة فى حياة هالة السعيد
تقول الدكتورة هالة أن والدها حلمى السعيد وأمها السيدة سعاد فرحات كانا بمثابة القدوة لها خلال مسيرتها فى الحياة، اخذت عنهما الجدية والإصرار على النجاح والحفاظ على تقاليد الأسرة المصرية وتسلحت من خلال معايشتهم بقيم العمل والحياة التى ما زالت تطبقهما حتى الآن، حيث نشأت وتربت فى أسرتها على القيم الدينية مع الاحترام الكامل لقيم الحداثة والمعاصرة وحرية مسئولة مكنتها من بناء شخصية مستقلة لديها القدرة على اتخاد القرارات المصيرية فى حياتها، ومتحملة لمسئوليات القيادة فى إطار هذه القيم التى آمنت بها.
المهندس حلمى السعيد وزير الكهرباء والسد العالى الاسبق
وتحكى الدكتور هالة عن دور والدها الوزير السابق الدكتور حلمى السعيد فتقول "كان والدى بالنسبة لى هو الموجه والنموذج القدوة"، فما زالت اتطلع إليه كنموذج للحنان، والموضوعية، و شجعنى على الانخراط فى العمل العام منذ الصغر وبالرغم من مسؤلياته المتعددة كمؤسس للجهاز المركزى للتنظيم والادارة ووزير للكهرباء والسد العالى، الإ أن ذلك لم يثنه عن متابعتى وأخوتى فى الدراسة ويقدم لنا كل أشكال النصح والتوجيه حتى نستكمل مسيرتنا الدراسية.
وتضيف "لم أشعر بأى تتمييز ضدى داخل الأسرة كونى بنت فكانت والدتى مثالا للعطف فى التعامل ومساعدتنا على فهم شئون الحياة فى إطار من التفاهم المتبادل، لقد كانت للطفولة الصحية السعيدة التى حصلت عليها أكبر الاثر فى تحديد شخصيتى التى انا عليها الان، وهو ما ساعدنى أن أكرر هذه التجربة مع أسرتى الجديدة التى انتقلت اليها".
وترى هالة السعيد أن مسيرة الحياة لم تكن تخلو من الصعوبات والتحديات، ولكنها تقر بدور والدها فى مساعدتها على اجتياز المنعطفات التى مرت بها طوال حياتها وفى رحلتها المهنية، فتقول السعيد "لقد علمنى والدى كيف اتخذ القرار السليم من خلال دراسة كل المتغيرات التى تحيط بعملية الاختيار".
وتتذكر السعيد أحد المواقف الصعبة التى واجهتها بعد الحصول على شهادتها الجامعية بين أن تضم لهيئة التدريس فى الكلية، أو أن تلتحق بواحد من أكبر البنوك فى المنطقة العربية، وتقول " بالرغم من معرفتى برغبة والدى فى التحاقى بالسلك الاكاديمى إلا أن الوقت استغرق فترة طويلة للتفكير وكنت فى مفترق طرق، وكان السؤال الذى يشغلنى أنذاك هو: ما هى الوظيفة التى تمكننى أكثر من أخدم وطنى وأساعد فى تحسين حياة الناس بشكل افضل؟، وتوصلت للاجابة الصحيحة بعد إمعان التفكير وقررت أن التحق بالحياة الاكاديمية واستكمل دراستى العليا واعمل استاذة جامعية".
رئيسة اتحاد طلبة المدرسة والسادسة على الجمهورية فى الثانوية العامة
وتتابع السعيد قائلة" كما كان للأسرة بقيمها واهتمامها بالشأن العام دور بالغ فى تكوين شخصيتى، فقد كان للمدرسة كوسيلة للتنشئة الاجتماعية دورا بالغا فى استكمال منظومة القيم التى تسلحت بها بعد ذلك فى حياتى العملية، فبجانب التحصيل العلمى أتاحت لى المدرسة الفرصة للخدمة العامة ، فكانت تجربتى كرئيس لاتحاد طلبة مدرستى فرصة لصقل مهارات القيادة والعمل العام، ولم تكن المدرسة بالنسية لى هى الدراسة والمذاكرة وفقط، ولكن كانت فرصة للمتعة وممارسة الهوايات التى احبها، وحصلت على جائزة أفضل رئيس لاتحاد الطلبة قبل أن أحصل على شهادة الثانوية العامة بترتيب السادس على مستوى الجمهورية، وكنت أول من يحصل على هذا المركز المتقدم لمدرستى طوال تاريخها".
الدكتورة هالة السعيد
كلية الاقتصاد والانفتاح على المجتمع والتعلم على يد رواد السياسة والاقتصاد
خلال دراستها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية اتيحت لها الفرصة للتعلم على يد الدكتور بطرس بطرس غالى الذى اصبح بعد ذلك أمينا عاما للامم المتحدة والدكتور عمرو محى الدين كواحد من أفضل اساتذة الاقتصاد والتنمية الإقتصادية بين ابناء جيله، وتحكى السعيد "لقد كانا كلاهما مصدر الهام لى خلال المرحلة الجامعية بعلمهم الغزير وإيمانهم بتفوق المرأة وربطهم مجالات الدراسة بما يجرى فى المجتمع، أى الجمع بين النظرية والتطبيق".
وتتابع السعيد، غرست فى طلابى كأستاذة جامعية وعميدة بعد ذلك، قيمة العمل الجاد وضرورة التسلح بالمعارف والمهارات اللازمة وأهمية التعلم من الخبرات الحياتية التى يمرون بها، ولتطبيق هذه الفلسفة التعليمية وفرت لهم فرص للاحتكاك المباشر والحوار مع خبرات مجتمعية ومهنية متنوعة، حيث أشرفت على تنظيم العديد من المحاضرات العامة وورش العمل والمنتديات داخل الجامعة لقيادات سياسية واقتصادية وثقافية يمكن أن تتفاعل مع هذه العقول الشابة ووتبادل معها الخبرات، لقد امنت بقدرات طلابى فى الكلية على تبؤ أماكن قيادية فى المستقبل، ليس فى مصر وحسب ولكن على المستويين الاقليمى والدولى، وسعيت لتكوين لجان على مستوى الكلية لتقديم كل أشكال المساندة والدعم للطلاب، فى إطار أسرى يشمل الجميع برعايته وتوجيهه، مؤكدة أن هذه التجارب الناجحة كان لها صدى داخل مجتمع الجامعة وخارجها، كما أن سعيها للتوزان بين أسرتى الصغيرة والاسرة الجامعية أهلها للحصول على لقب "الام المثالية" لعام 2015 وحصلت على جائزة تقدير من مؤسسة آل مكتوم التى ترعى هذه الاحتفالية".
السعيد: عملى فى المعهد المصرفى كان أحد المحطات الاساسية الهامة فى حياتى
تحكى الدكتورة هالة السعيد قصة انتقالها للعمل فى المعهد المصرفى التابع للبنك المركزى المصرى وقت ان كانت أستاذة مساعدة فى الجامعة وقررت ان تدخل مجال الحياة العملية فى قطاع البنوك خارج الجامعة، وتقول إنه عندما عرضت عليها الفرصة لكى تنقل خبراتها الاكاديمية فى مجال البنوك الدولية والمحلية للمعهد المصرفى المصرى لم تتردد ايمانأ منها بأهمية تطوير القطاع المصرفى وقدرتها على إحداث نقلة فى برامج التدريب وبناء القدرات والإهتمام بالثروة البشرية فى قطاع البنوك كمحرك اساسى فى عملية الإصلاح، لقد كان لخلفيتها كاستاذة اقتصاد ورغبتها فى ممارسة عمل إدارى على مستوى عال دافعان لها لقبول هذه المهمة، وأخذت على عاتقها تطوير برامج التدريب فى المعهد لتلائم مرحلة التحول التى بدأها الاقتصاد المصرى فى العام 2005، كما عملت على تطوير آليات التدريب وسعت لحصول المعهد على الاعتماد حتى كان مركز تدريب المعهد هو الوحيد فى الشرق الاوسط الحاصل على هذه الشهادة الدولية.
وتابعت " لقد كان للتطور الذى شهده المعهد أثر كبير فى زيادة الاقبال على الالتحاق ببرامج التدريب ووضح للقطاع المصرفى الدور المحورى للمعهد فى بناء القدرات وتأهيل العاملين فى القطاع للتعامل مع خطة التحديث والتطوير التى أصبحت هامة للبنوك بإعتبارها قاطرة للنمو الاقتصادى.
وتتذكر السعيد أن ميزانية المعهد عندما بدأت العمل فيه كانت 4 مليون جنيه زادات إلى 60 مليون جنيه، وارتفع عدد المتدربين فى المعهد من 1000 متدرب سنوياً إلى 50000 متدرب، ليسوا فقط من العاملين فى البنوك ولكن أيضاً شمل التدريب مسؤلين حكومين، وتؤكد أن تجربة تجربة المعهد المصرفى كانت بالنسبة لها فرصة لتنمية الانسان التى تحرص عليها وتؤمن بأهميتها لاحداق التنمية المطلوبة، ولم تكتفى السعيد خلال عملها كمدير للمعهد باقتصار دوره على التدريب ولكن ركزت على دوره كبيت خبرة "Think tank" لقطاع البنوك.
وتشير السعيد إلى العديد من المبادرات التى شاركت فيها خلال عملها بالمعهد مع قيادات من أكفا العاملين فى القطاع المصرفى، كما تشير إلى اهتمامها بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بإعتبارها قاطرة النمو الاقتصادى من خلال قدرتها على خلق فرص العمل ومكافحة الفقر وتوفير آليات مستقرة للنمو الاقتصادى، وأشارت إلى أنها قادت مجموعة عمل لانجاز خريطة وطنية للمشروعات الصعيرة والمتوسطة، وأن هذا المشروع وفر قاعدة بيانات لهذا القطاع ساعدت قطاع البنوك على توجيه برامجه للاقراض لهذه المشروعات وفقاً لمعايير ومؤشرات علمية، كما ضمن المشروع تنسيق الجهود الحكومية وغير الحكومية وجهود المانحين الدوليين فيما يتعلق ببرامج الاقراض الصغيرة والمتوسطة.
وتضيف "لقد كانت خبرتى التى حصلت عليها من العمل كمديرة تنفيذية للمعهد المصرفى لا تقدر بثمن، لقد نجحت فى انجاز العديد من الأهداف لعل أهمها تغيير ثقافة العاملين فى قطاع البنوك الحكومية والبنك المركزى المصرى لتتوافق مع المعايير العالمية"، كما أن المعهد نجح خلال نفس الفترة فى توطين التكنولوجيا فى قطاع البنوك وساعد فى تدريب العاملين على الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات فى تحديث آليات تقديم الخدمات المصرفية فى القطاع الحكومى حتى يتمكن من المنافسة مع القطاع الخاص، ولا يقل الانجاز الخاص بتحديث العمليات فى قطاع البنوك وتصميم النماذج التى تضمن كفاءة وسرعة النظام عن سابقيه، مؤكده أن التحدى كان تدريب الموظفين على النماذج وزيادة وعيهم ونشر ارشادات مكتوبة وموثقة يلتزم بها جميع العاملين بالقطاع المصرفى. شملت الانجازات أيضاً تطبيق معايير الحوكمة فى القطاع المصرفى بما يضمن كفاءة الاداء، وهو ما يعود بالفائدة ليس على البنوك وحسب ولكن على المجتمع بصفة عامة.
وتقول السعيد "كان للديناميكة فى العمل والقدرة على اتخاذ القرار بسرعة والمرونة فى الادراة أثر بالغ فى نجاحى فى تحقيق نقلة نوعية فى أداء المعهد، وهو ما أعتبره أحد ابرز الاسهامات فى حياتى العملية"، وقد توجت السعيد مسيرتها كمديرة للمعهد المصرفى بالحصول على جائزة قنوات سى بى سى فى العام 2011 باختيارها ضمن اكثر 50 سيدة تاثيراً فى المنطقة العربية.
اول عميدة منتخبة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
لم تكن تدرك الدكتورة هالة السعيد أن امنية والدها وحلم حياتها قد اقترب، وأنها على موعد جديد لتتبوأ منصب عميد كلية الوزراء كما تلقب، ولم يكن شغلها لهذا المنصب عادياً ولكن بالانتخاب المباشر من قبل الزملاء فى الكلية لاختيار العميد من بين عدد من المرشحين، وفى أغسطس 2011 وبعد 8 سنوات خارج الكلية تتقدم السعيد بأوراقها للعمادة، كان عليها ليتم انتخابها وفقاً للقواعد بعد ثورة 25 يناير 2011 أن تجهز برنامجاً انتخابياً وأن تنخرط فى أنشطة تواصل وحوار لشرح رؤيتها لتطويرالكلية والنهوض بها، وتم انتخابها كعميدة للكلية بعد تشجيع من زملائها واساتذتها وباغلبية كبيرة على أن تتقدم وتتحمل مسؤليتها فى خدمة مجتمع الكلية والجامعة كما هو منتظر منها.
وتقول السعيد إن الفترة التى انتخبت فيها لعمادة الكلية كانت فترة اضطراب أعقبت الثورة وجاءت بحكومة الاخوان المعروف عنهم تمييزهم ضد المرأة، وبمساعدة فريق من زملائها وأساتذتها نجحت فى مراجعة كل الجوانب الادارية والتعليمية والمالية للكلية ووضعنا خطة لعلاج جوانب الضعف فى الكلية فى إطار من الشراكة مع كل أعضاء هيئة التدريس فى الكلية ومجلس الجامعة، وشملت خطة التطوير تحديث المناهج لتواكب المعايير العالمية والتشاركية فى اتخاذ القرار فى إطار من الشفافية وأن تتفاعل الكلية فى محيطها الجامعى والمجتمعى.
دعم المرأة
تحكى السعيد أنها ومن خلال عملها كاستاذة وعميدة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ومديرة تنفيذية للمعهد المصرفى وعضو لمجلس مديرى البنك المركزى وطوال حياتها وهى تدعم وتناصر قضية المساواة بين الرجل والمرأة على كل المستويات، وتشير إلى أن ذلك يشمل دعم المراة فى التعليم والتدريب والتوظيف وما يختص أيضاً بالمتطلبات الحياتية البسيطة.
وتضيف السعيد ان التحدى الأكبر التى تواجهه النساء ايضاً فى مجتمعنا هو كيفية احداث توازن بين متطلبات الاسرة الصغيرة وتربية الابناء وبين تفوقها العلمى والوظيفى، وتؤكد أنها نجحت مثلها مثل مصريات كثيرات فى تحقيق التوازن والنجاح الاسرى والعلمى والمجتمعى والمهنى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة