ناجح إبراهيم

البر فى يوم واحد لا يكفى!

الأربعاء، 29 مارس 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

*البر ليس مجرد هدية فى عيد الأم أو كلمة حبيبتى فى التليفون إنه أكبر بكثير من ذلك

 
تسمع أغنية ست الحبايب، فتدمع عيناك، يأتى عيد الأم فيشترى هدية لأمه ويسلمها لها، يحادثها تليفونيًا كل فترة طويلة مطلقًا كلمات مثل «يا حبيبتى.. يا غالية.. تحت أمرك» دون أن يفعل شيئًا سوى ذلك، ويظن أنه قد بر أمه أو بذل ما عليه تجاهها.
 
يتحدث عن بر الأم وقد لا يطيق أن يجالس أمه ليسرى عنها همّ واكتئاب الشيخوخة لساعة كاملة، يظن نفسه بارًا بأمه دون أن يكلف نفسه أن يذهب إليها مرة كل أسبوع، ليسرى وحدتها القاتلة فى هذا اليوم، تمرض الأم فى بيتها فلا ترى أولادها إلى جوارها بحجج واهية لأسابيع. يظن أنه يبر أمه وهو يفضل زوجته باستمرار على أمه، وكان يمكنه الجمع بين الحبين والبرين والخيرين، ينفق على أولاده وزوجته عشرات الآلاف من الجنيهات بعضها فى كماليات يمكن أن تستغنى عنها أسرته، ويضن على أمه أن يعطيها مبلغًا من المال يسترها ويحفظها كل شهر، مرددًا قول زوجته «اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع» تنسى الزوجة هذا المثل تمامًا حينما يتعلق الأمر بأمها أو أختها أو أسرتها.
 
يركب سيارة فارهة وتركب زوجته مثلها وأمه تبحث كل أسبوع عمن يوصلها إلى مركز أو مستشفى الغسيل الكلوى، أو تعطى جرعة الكيماوى لعلاج السرطان الذى دب فى جسدها. يذهب كل أسبوع مع أصدقائه هنا وهناك أو يذهب مع أولاده وزوجته كل أسبوع للنزهة ويعتذر دومًا عن اصطحابها للغسيل الكلوى أو العلاج الكيماوى الذى تخرج منه محطمة الأوصال والقوى، ولولا الشاب أو الفتاة من أولاد الجيران التى تذهب معها فى كل مرة ما استطاعت الذهاب.
 
يتحدث دومًا عن البر وعن هداياه لأمه فى عيدها، ويحسب دومًا أمام الآخرين أنه أعطى أمه كذا وكذا، وساهم فى علاجها يوم كذا، وفى جراحة العظام التى أجرتها يوم كذا، ولا يذكر كم أنفقت عليه، وكم بذلت من أجله، وكم سهرت الليالى الطوال لخدمته، وكم استيقظت مبكرًا لتوقظهم وتعد لهم كل شىء قبل المدرسة، وكم توترت وهى ترقب نتيجة امتحاناته، كم تألمت وصرخت يوم ولادته، كم نزفت بعد ولادته، كم سهرت الليالى كلها لترضعه وتمسح الأذى عنه، كم شملته بدعائها ورعايتها. يتحدث عن البر وهو ما زال يعرض عنها ويتأفف من طول حديثها لأنها أمية وهو أستاذ جامعى، ويصعر خده لها ظنًا منه أنها لا تشعر، كم أحب ألا تحضر معه أمام كبراء القوم الذين يلقاهم فى بيته أو مكتبه، قد يخجل من ثيابها أو طريقة كلامها أمام هؤلاء الكبراء دون أن يدرك أنها كانت تستمتع بـ«تهتهته» وهو صغير، وفرحتها وهى تمسح الأذى عنه ولا تأنف من رائحته العفنة وهو طفل لا يتحكم فى بوله.
 
بلغت أمك من الكبر عتيًا، أصبحت تنسى الأحداث القريبة، هل ستؤنبها على ذلك وتقرعها، هل ستتركها تعيش وحدها، هل ستقبل زوجتك أن تعيش معكما، هل ستعاملها زوجتك معاملة حسنة وترحم ضعفها، هل ستضحى السنوات الباقية من عمرها لتترك سهرات أصدقائك وتكون معها. هل ستتحمل رؤية «البامبرز» وهو يلتف حول وسطها بعد أن أصبحت كالطفل الصغير لا تستطيع التحكم فى البول؟ هل ستترك زوجتك تقرعها وتشتمها كل عدة أيام لأنها تقيأت على الأرض؟
 
قد تنسى أنك طالما تقيأت على ملابسها فلم تشغلها الملابس ورائحتها ولكن شغلها تعبك ومرضك فغيرت ملابسها سريعًا، وجرت بك تلهث إلى الطبيب ترجوه النجدة فى منتصف الليل أو وقفت بك فى طابور المستشفى الحكومى أو باتت معك فى المستشفى. قد تنسى ذلك كله ويطيش صواب زوجتك وصوابك لأن السجادة والسيراميك اتسخوا من قىء الأم، أو لأن السرير الذى تنام عليه تتعب زوجتك فى ترتيبه. قد تتمنى موتها وتنسى أنها كانت تتعب وتتمنى لك الحياة، وتبكى ألمك وكأنها هى التى تتوجع.
 
البر ليس مجرد هدية فى عيد الأم أو كلمة حبيبتى فى التليفون، البر أكبر بكثير من ذلك، البر أن تجعلها حبك الأول والأساسى، أن تكون محور حياتك وجل اهتمامك ومبلغ علمك واجتهادك، أن تكون هى كل شىء، ورضاها مقدم على كل رضا بعد الله، وراحتها فوق كل راحة، حتى تموت وربك راضٍ عنك، وهى راضية وأنت راضٍ عن نفسك. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة