الانبا ارميا

"النِسيان المدمر"

السبت، 04 مارس 2017 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى المقالة السابقة عن نِسْيان بعض الناس للخير الذى يقدَّم لهم، وكم أنه يقسِّى قلب الإنسان وينزِع عنه سُبل الرحمة، فى حين: إن تذكُّر ما قدَّمه الآخرون من معروف يزرع المحبة ويؤصلها بين البشر ويوطد رُبُط الأخوة بينهم. وذكرنا أنه يجب أن لا ينسى الإنسان أولٰئك الذين تعِبوا من أجله، وأن عدم نِسْيانه لهٰؤلاء البشر يجلب إليه حتمًا مزيدًا من الخير فى حياته؛ أتذكر قصة حدثت ذات يوم حين تعرض "ونِستون تشرشل" ـ ابن "راندولف تشرشل" عُضو مجلس النواب البريطانيّ، وهو صبيّ، لحادثة كادت تودى بحياته، ليُنقذه أحد الفلاحين. لم ينسَ "راندلوف" تعب هٰذا الفلاح وجميله وقرر أن يُتيح فرصة التعليم لابنه ـ ويُدعى "ألكسندر فلِمِنج" ـ حتى تخرج طبيبًا فذًّا. وكان جزاء عدم نِسْيان الخير أن نجح "ألكسندر" فى اكتشاف مادة "بنسلين" التى أنقذت حياة الابن مرة ثانية عند إصابته بالتهاب رئويّ. ويتردد السؤال: ماذا كان يحدث، إن تجاهل "راندولف" ما صنعه الفلاح من خير؟! 
 
أمّا أصعب نِسْيان فى الحياة، فهو نِسْيان الإنسان لله!! نعم، كثيرًا ما يحاول بعضٌ فى هٰذه الحياة أن ينسَوا الله معتقدين أنهم قد تحرروا من قيده فى حياتهم!! ولٰكن هٰذا هو النِسْيان الذى يدمر حياة من يتّبعوه: فماذا يحدث فى حياة من ينسى الله؟ وكيف تتأثر؟!
 
إن نِسْيان الإنسان لله يقسّى قلبه نحو الآخرين وينزِع عنه الرحمة. بدايةً: من ينسى الله ينسى وصاياه من المحبة والرحمة والخير والعدل، ولا يهتم بتطبيقها فى الحياة، وإن قبِلها على المستوى الإنسانيّ، فيومًا بعد يوم تتغير تلك الطبيعة وَفقًا لمبادئ العالم ومفاهيمه التى تعتبر السلطة والمال هما مقومات القوة فى الحياة؛ وهٰكذا تتبدل نظرة هٰذا الشخص تجاه البشر والمواقف. أيضًا حين ينسى الإنسان الله، يبدأ فى جلب حقه بقوته الشخصية، معتمدًا على ذاته ومعرفته، وفى سبيل ذٰلك يطأ كثيرًا من البشر دون رحمة!! 
 
ومن الممكن أن يرى بعضٌ أن هناك نماذج تعيش بإنسانية ولأجل الإنسانية مقدِّمة يد المساعدة للجميع، وهم لا يعرِفون الله بل يُنكرون وجوده!! نعم، من الجائز أن ترى تلك النماذج، ولٰكن اسمح لى أن أسأل معك: ما مصدر الخير فى حياة البشر؟! أهو الكون؟! أهو أصيل فى ذاته؟! إن كان هٰكذا، لكان جميع البشر يصنعون الخير!! ولٰكن لماذ الاختلاف؟! لماذا يوجد الشر؟! وهنا أتوقف لأتذكر كلمة الصبى "أينشتاين" لمعلمه: "الشر هو النتيجة لما يحدث حين لا يملِك الإنسان محبة الله فى قلبه"؛ أى حينما يتناسى وجود الله. 
 
إن الله هو مصدر الخير فى الحياة، ومن يحاول صنع الخير بدون الله تكون أعماله بشرية محدودة تهوى سريعًا ولا تثبُت أمام العقبات والمواقف وإزاء شر البشر. فقط: هو الله، الذى يثبت الإنسان فى الخير ويهب له القوة وينجيه، مهما كانت الشرور من حوله. 
*الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة