تبدو ردود الأفعال المندهشة من حكم براءة حسنى مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، أمرا مدهشا فى حد ذاته، وكل من يعرف الدستور والقانون، يعرف أن البراءة كانت وجوبية، وهذا ليس حكمة بأثر رجعى، لكن سجلته منذ اللحظات الأولى لإحالة مبارك والعادلى ومساعديه للجنايات فى أغسطس 2011، المدهش أن هناك من يعلق مستنكرا ومشمأنطا، كأنه يتوقع شيئا آخر، مثل كل مرة، ويحلو للبعض أن يهمز القضاء، ضمن حالة ازدواجية، يصفق البعض فيها لحكم قضائى، ويصفر لآخر، كأن القضاء مهمته أرضاء رغبات الجمهور وليس تطبيق القانون.
تقديم مبارك لمحاكمة جنائية كان خطأ، تم بضغط الميدان، رفضوا المحاكمات السياسية، ولم يخل من رغبات انتقامية، كانت المحاكمة على قرار يحصنه الدستور القائم وقتها الذى يعطى الحق لرئيس الدولة فى اتخاذ تدابير، مبارك كان يستخدم سلطاته الدستورية، كرئيس يواجه احتمالات للفوضى، وهجوم على السجون والممتلكات، وزير الداخلية، يمارس عمله بما ينص عليه القانون، ويمكن حسابه على الانسحاب بعد 28 يناير وعدم تأمين السجون.
يضاف إلى ذلك عجز المدعين عن إثبات صدور أمر أو تعليمات بالقتل، فضلا عن ضياع أى أدلة، وبالتالى لا يمكن محاسبته على الضحايا، بينما الدولة مسؤولة مدنيا، كانت هناك تجارب سبقتنا الاعتذار والمصارحة التى اتبعتها جنوب أفريقيا، أو الإجراءات الانتقامية فى رومانيا، أو إيران الخومينى وقبلها الثورة الروسية، حيث تصفية بلا محاكمات، وهى تجارب تم استبعادها، والاتجاه للجنايات، وتمت البلاغات بتعجل، ولم يستمع أحد لأصوات كانت تنادى بالبحث عن طريق سياسى.
صدر حكم بإدانة مبارك فى يونيو 2012، وألغته محكمة النقض فى ديسمبر من نفس العام وقبلت الطعن وقررت إعادة محاكمة جميع المتهمين، وهو حكم كان متوقعا، التزم مبارك باحترام القضاء منذ اللحظات الأولى، ومع كل حكم بالبراءة كانت ردود الفعل بين التهليل الرافض والتطبيل الراقص.
هل يعنى هذا أن مبارك ليس مدانا؟ الواقع أننى ومنذ اللحظة الأولى لحالة مبارك والعادلى للمحاكمة، كتبت وقلت بالصوت والصورة إننا يفترض أن نحاسب «على أخطاء عامة وسياسية وتدهور التعليم والعلاج والفرص الضائعة سياسيا، نحاسبه على مجمل الأعمال، ونعرف كيف كان يحكم، وما هى الأخطاء، وهى اتهامات قد لا تنتهى بعقوبات بدنية، لكنها كانت تعنى ملاحقة أموال واستعادة أراضٍ ومال غير مشروع، وفرض حراسة وإقامة جبرية.
والمفارقة أن بعض ممن قدموا البلاغات ضد مبارك، دافعوا عن براءته. والأمر أكثر من تأييد أو معارضة، لكن محاولة لفهم بعيدا عن اشمئناط متكرر، يضيع الوقت فى رد الفعل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة