"وفاة بوتفليقة" شائعة إعتاد عليها الجزائريون ولم تعد بالأمر الذى يثير الدهشة لديهم، فإذا غاب الرئيس لفترة عن الظهور الرسمى تسارعت تلك الأنباء للطفو على السطح مرتكزين فى ذلك على المعلومات المؤكدة عن تدهور حالته الصحية فى السنوات الآخيرة، وعلى الجانب الآخر تعمد الدولة الرسمية الى تنظيم فعالية يظهر فيها بوتفليقة على الشاشات بـ"كرسيه" المتحرك ليؤكد أنه مازال حيا يرزق على كرسى الرئاسة.
إلا أن انتشار الأنباء عن وفاة بوتفليقة أمس، تختلف عن سابقاتها، حيث تأتى فى وقت حساس للغاية تمر به البلاد وقبل شهر واحد يفصل الجزائر عن انتخابات تشريعية حاسمة، وهى الأولى بعد تعديلات دستورية قلصت من سلطات الرئاسة ووسعت صلاحيات البرلمان، وإذا تم الربط بين شائعة وفاة الرئيس وتلك الانتخابات يمكنك الاستنتاج أنها مؤشر الى أن الترتيب لمرحلة ما بعد بوتفليقة - الذى سيغادر السلطة فى 2019 وفقا للتعديلات الدستورية – قد بدأ مبكرا.
علامات الاستفهام حول الحالة الصحية للرئيس مثارة منذ فترة، وازدادت خلال الأيام الآخيرة بعد إعلان الرئاسة إرجاء زيارة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للجزائر بسبب "وعكة" صحية تعرض لها بوتفليقة تمنعه من استقبالها، وعلى الرغم من إعلان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنى، أن الرئيس الجزائرى “على ما يرام” وبـ “صحة جيدة ويواصل نشاطاته بشكل طبيعى”، إلا أن الشائعة تعد بمثابة جرس إنذار بأن مرحلة الحسم أصبحت قريبة ولابد من الاستعداد لها، ومن أجل هذا شرعت الأحزاب على كافة أيديولوجياتها فى التحرك الحثيث لترتيب المشهد على أمل أن يكون لها دور فى اختيار البديل المقبل.
وأمام أهمية الانتخابات المرتقبة، شرعت جميع الأحزاب الى ترتيب صفوفها وفى مقدمتها جبهة التحرير الوطنى، الحزب العتيد الحاكم فى الجزائر والذى أعلن عن قوائمه النهائية للانتخابات ومن بينها 7 وزراء فى الحكومة الحالية، وهو الأمر الذى أثار ضجة فى الأوساط السياسية حيث أعتبر المراقبون أن حزب بوتفليقة يسعى لتمكين رجاله المقربين للسيطرة على قرار المؤسسة التشريعية وحسم تشكيل حكومة الأغلبية المنتظرة، فضلا عن تهيئة أحد من هؤلاء الوزراء لترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية فى الوقت المناسب.
وبخلاف نهج الحزب الحاكم، لجأ ثانى الأحزاب البرلمانية حزب التجمع الوطني الديمقراطى، ورئيسة أحمد أويحى مدير الديوان الرئاسى والذى يبرز على الساحة كمنافس قوى، الى رجال الأعمال ليسيطروا على قوائم حزبه الانتخابية، حيث أكد أويحيى "أن رؤساء القوائم الانتخابية فى التشريعات المقبلة ستكون محجوزة حصرا لرجال أعمال كبار ورؤساء مؤسسات خاصة ومجمعات صناعية"، فى حين تؤكد مصادر أن أويحى الرجل الأقوى الآن فى الجزائر يسعى لاستقطاب رجال الأعمال لاستخدامهم في تمويل حملته للرئاسة فى 2019.
وبين الأول والثانى ترى الأحزاب الإسلامية فى تلك الإنتخابات الحاسمة فى تاريخ الجزائر فرصتها لتشارك فى المستقبل السياسى بعد بوتفليقة الذى شهد عهده فرقة وتفتيت للأحزاب الإسلامية، وبالفعل اتفقت الأحزاب على تنحية الخلافات جانبا والتوحد فى اتجاه البرلمان، مغلبين الهدف على المصالح الضيقة واستطاعت الأحزاب الإسلامية أن تصل إلى اندماج فيما بينها فى كتلتين لخوض الانتخابات معا، الأول يضم ثلاثة أحزاب هى: "جبهة العدالة والتنمية" و"حركة النهضة" و"حزب البناء الوطنى"، فيما شمل التكتل الثانى حزبى: "حركة مجتمع السلم" و"جبهة التغيير".
وبين جميع الباحثين عن بديل بوتفليقة ذو الـ80 عاما ووسط اشاعات وفاته المتكررة وحالته الصحية المتدهورة تقف مؤسسة الجيش الأقوى فى الجزائر كصمام أمان لإستقرار البلاد، حيث عمدت تلك المؤسسة خلال الأشهر الآخيرة فى تخصيص افتتاحية مجلتها الشهرية للحديث عن الوضع الداخلى فى الجزائر، وتناشد كافة الأطراف بالعمل على تأمين حاضر الجزائر وضمان مستقبله فى كنف الاستقرار والسكينة"، مما يفرض تساؤلات فى الداخل الجزائرى عن ما إذا كان الجيش سيكون له كلمة لاحقا فيما يخص خليفة بوتفليقة على مقعد الرئاسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة