فى الشدة المستنصرية وصل فيها سعر «البيضة» الواحدة 10 قراريط من أجود الأراضى
ما تمر به مصر حاليا من أزمة اقتصادية، وانعكاساتها على الغلابة الذين يتجرعون الدواء المر لعلاج الأزمة، لا يمثل ولو لجزء صغير من أزمات مرت بها مصر عبر عصورها المختلفة، وتحمل فيها المصريون ويلات الجوع والعطش للمحافظة على بلادهم.
الأزمة الاقتصادية الحالية، تدفع مصر ولأول مرة منذ تاريخها إلى الاعتماد على نفسها، وأن يأكل المصريون من فأسهم، بكبرياء وكرامة، وإحياء قيم كانت قد تلاشت طوال العقود الماضية، مثل قيم العمل وبذل الجهد، وترشيد الاستهلاك والإنفاق، وعدم الجرى وراء التخزين العشوائى للسلع لإحداث أزمات.
وأن معاناة البعض ومحاولة تغليب مصلحة «البطون» على حساب مصلحة «الوجود» على هذا الكوكب بكرامة، أمر خطير، وقصر نظر شديد، وأنانية مفرطة، لم نعتدها من المصريين طوال تاريخهم الطويل خاصة فى الأزمات الاقتصادية، والمجاعات، ومن بينها «الشدة المستنصرية».
وزمن «الشدة المستنصرية» أو الشدة العظمى، وحسب ما أوردته كتب التاريخ، قد وقعت فى مستهل النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى، وتحديدا فى عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمى، حيث حلت المجاعة والخراب على مصر نتيجة غياب مياه النيل عن البلاد سبع سنوات كاملة، عرفت بالسنوات العجاف.
روى المؤرخون حوادث قاسية عن تلك الفترة، حيث تصحرت الأراضى وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من فوق رؤوس الخبازين، وأكل الناس القطط والكلاب، بل أكد المؤرخون أن بغلة وزير الخليفة الذى كان يمتطيها، عندما ذهب للتحقيق فى حادثة كانت قد وقعت حينذاك، ذبحها الأهالى وأكلوها، وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع مقابر آبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع صوب بغداد، ووصل فيه سعر «البيضة» الواحدة 10 قراريط من أجود الأراضى المصرية، وتم بيع كلب لذبحه وأكله بخمسة دنانير.
تلك الحوادث التى تقشعر لها الأبدان كانت نتيجة أزمة اقتصادية طاحنة وصلت إلى حد المجاعة، وأن جفاف النيل كان جزءا من الأزمة، وذكر المؤرخون أن مصر مرت بالمجاعة الشديدة 4 مرات.
الأولى أطلق عليها السنوات السبع العجاف، حيث ذكرتها التوراة فى عشر آيات.. وذكرها القرآن فى تسع آيات، الثانية كانت فى عهد الهكسوس واستمرت 7 سنوات، والثالثة وقعت فى عهد الدولة الفاطمية وأطلق عليها الشدة المستنصرية وبلغت ما يقرب من 7 سنوات، أما الرابعة فكانت فى عهد، خورشيد باشا الوالى العثمانى واقتربت من 7 سنوات أيضا.
اللافت أن كل محن المجاعات التى اجتاحت مصر كان العامل المشترك فيها المدة الزمنية التى استغرقتها 7 سنوات كاملة، والنتائج السيئة التى أفرزتها ثورة 25 يناير 2011، هى الأزمة الاقتصادية الخانقة التى وصلت ذروتها فى العام السابع، أى أن مصر تمر حاليا بالسنوات السبع العجاف، وبعدها سيحدث الانفراجة، والمصريون يعيشون الآن فى العام رقم «7».
لذلك فإن تأكيد الحكومة، أن عام 2017، هو العام الأصعب، الذى سيعقبه انفراجة اقتصادية كبرى، تنقل مصر إلى مرحلة أخرى من مراحل التنمية والطفرة الاقتصادية الكبرى التى ستنعكس على حياة المواطن بالدرجة الأولى، يتفق مع توقعات معظم المؤسسات الاقتصادية العالمية المحترمة. نحن فى هذا المقال لا نبرر أسباب الأزمة، ولن نستشهد بالأزمات المذكورة فى كتب التاريخ، للعظة، ليس أكثر، وإن غدا لناظره قريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة