يعتقد كثيرون أن روسيا هى البديل الآمن لدول الشرق الأوسط وفى مقدمتاه الدول العربية التى تكون أكثر ميلاً لإقامة علاقات متوازنة بين موسكو وواشنطن خاصة لما تبديه الأولى من تعاون وتقارب مع دوائر السلطة ومراكز صنع القرار فى المنطقة العربية، فضلاً عن تبنى مواقف مماثلة على الصعيدين الإقليمى والدولى.
ورغم الحرب الروسية على الإرهاب فى ميادين عدة من بينها سوريا، إلا أن تقارير روسية وغربية كشفت ولا تزال أن كثيراً من الإرهابيين من أصول روسية أو سبق لهم تلقى تدريبات فى دول الاتحاد السوفيتى وبإشراف من استخبارات موسكو خلال حرب الشيشان الأولى والثانية.
ولاشك أن روسيا حالياً تحارب الإرهاب فى سوريا بكل قوتها للقضاء على ما تبقى من الإرهابيين الذين فروا من دول الاتحاد السوفيتى ويخططون الآن للانتقام من موسكو وخاصة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى قام بضرب الجماعات المسلحة فى الشيشان وسبب لهم ألما كبيرا، إلا أن لتلك الحرب أسباب آخرى.
وقبل أن يتم اغتياله فى 2006، اتهم ألكسندر ليتفينينكو عميل المخابرات الروسية السابق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأنه كانت له صلة بـ"تنظيم القاعدة" ودعم الإرهاب الإسلامى. وحسب تقارير روسية فإن ليتفينينكو اعترف بتجنيد المخابرات الروسية للقيادى البارز بتنظيم القاعدة، أيمن الظواهرى وأشرفت على تدريبه لمدة 6 أشهر فى داغستان قبل زراعته بجوار أسامة بن لادن عام 1998.
واتهم عميل المخابرات السابق روسيا بتدبير تفجيرات مساكن موسكو التى أدعت روسيا أن المقاتلين الشيشان قاموا بتنفيذها عام 1999 وكانت سببا فى الحرب الثانية.
وأعلن ألكسندر ليتفينينكو قبل اغتياله عن عدد من البيانات الهامة والتى منها أن الرجل الثانى فى "تنظيم القاعدة" الظواهرى، ورئيس الوزراء الايطالي رومانو برودى وكلاء للمخابرات الروسية، ونتيجة لهذا قاموا بقتل ليتفينينكو بالتسمم الإشعاعى لندن.
وبحسب التقارير التى كشفها ليتفينينكو ، توجه الظواهرى فى ديسمبر 1996 إلى الشيشان بجواز سفر مزور تحت مسمى الطبيب عبد الله إمام محمد أمين، وبعد دخوله الأراضى الروسية تم إلقاء القبض عليه وقضى خمسة أشهر في السجن فى ماخاتشكالا. وحاول أعضاء آخرين من منظمة "الجهاد الإسلامى المصرى"، العمل على إطلاق سراحه، لكن المحاولات فشلت وفى أبريل 1997، حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، وبعد شهر من ذلك تم الإفراج عنه، ولكن عميل المخابرات الروسية بوريس بيريزوفسكي وليتفينينكو أكدا أن الظواهرى تلقى خلال تلك الفترة تدريبات فى روسيا لزرعه فى أفغانستان.
وللحرب الروسية على الإرهاب وجوه آخرى ودوافع كثيرة بخلاف ما يبديه الرئيس فلادمير بوتين، حيث كشف الجاسوس الروسى المنشق، العقيد بوريس كاربيشكوف، قبل أكثر من عام أن المخابرات الروسية دمرت الطائرة الروسية فى سيناء فى محاولة لكسب التعاطف.
ورغم مرور قرابة العامين على الحادث، وعدم تأكد ادعاءات كاربيشكوف التى نشرتها فى ذلك الحين صحيفة "ديلى ميل" البريطانية إلا أن دخول روسيا بقوة فى الحرب السورية بعد الحادث تحت ذريعة الحرب على تنظيم داعش، يعزز من تلك الرواية.
وكان كاربيشكوف قال فى التصريحات التى نشرتها الصحيفة البريطانية إن المخابرات دمرت الطائرة بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين، ولا علاقة لـ"داعش" بإسقاطها، ليس فقط لمحاولة تخفيف الضغط عليه بعد الاعتداء على أوكرانيا، بل الحصول على موجة تعاطف دولية كبيرة مع روسيا بعد سقوط الطائرة وخاصةً تفويضه القضاء على "داعش" فى سوريا بعد كارثة الطائرة.
وأشار الجاسوس الروسى إلى أن سقوط الطائرة فى سماء سيناء، سمح لروسيا "بقنص طائرين بحجر واحد"، بما أنها سمحت لروسيا بقصف أعداء بشار الأسد فى سوريا، وخاصة ضمان عودة موسكو إلى الساحة الدولية، حسب جنرال كبير في جهاز المخابرات العسكرية الروسية، كما يؤكد "كاربيشكوف".
وأوضح الجاسوس نقلاً عن مصادره فى موسكو كما أكد فى ذلك الحين أن الخطة كانت تهدف إلى ضمان صمت المجتمع الدولي على العمليات العسكرية الضخمة التى كانت تخطط لها موسكو ضد أعداء بشار الأسد، بدعوى محاربة "داعش" المتورط فى إسقاط الطائرة، وتحفيز مبيعات الأسلحة الروسية لدول المنطقة فى الشرق الأوسط بالمناسبة.
ولإضفاء مصداقية على أقواله يُشير الجاسوس الروسى المنشق إلى أن روسيا معتادة على مثل هذا النوع من العمليات السوداء؛ لتحقيق أهداف سياسية معينة، وأشار فى هذا السياق إلى اتهام "بوتين" في 1999 بعد وصوله إلى السلطة، بتفجير 4 مجمعات سكنية كاملة في موسكو وفى مدن أخرى مثل بايناكسك، وفولغودونسك، ما تسبب فى مقتل 307 أشخاص بين رجال وشيوخ وأطفال ونساء، وسقوط 1700 جريح، فى موجة تفجيرات مريبة سارع "بوتين" بعدها باتهام إرهابيين شيشانيين بارتكابها لينفذ بعدها مباشرة تدخلاً جوياً مدمراً فى الشيشان.
إلا أن الخبير فى الشأن الروسى، مدير مركز الدراسات الروسية أشرف كمال، قال فى تصريحات لـ"اليوم السابع"إن موسكو تعرضت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي إلى محاولات إضعاف دورها الإقليمى والدولى من خلال التأثير على المشهد الاقتصادى والسياسى فى الداخل وربما نجحت هذا المحاولات بدرجة كبيرة بمساعدة مجموعة من رجال الأعمال أو ما كان يعرف بـ"طبقة الأوليغارش"، الذين كانوا يخططون للسيطرة على الدولة ومؤسساتها المختلفة خلال عقد التسعينات.
ولكن مع وصول الرئيس بوتين إلى دائرة صناعة القرار الروسى اختلفت السياسة بأخرى ترفض أى محاولات النيل من الدولة ومؤسساتها أو إضعافها وبدأ بملاحقة رجال الأعمال الفاسدين المتورطين فى دعم عمليات العنف والإرهاب فى العاصمة موسكو، فضلا عن دعم المتطرفين فى شمال القوقاز لمزيد من الهجمات الإرهابية من خلال تسهيل التحاق العناصر المتطرفة من تنظيم القاعدة إلى الجنوب الروسى ومحاولات إنشاء ما يعرف بـ"الولاية الإسلامية شمال القوقاز".
وأضاف كمال أن روسيا أعلنت الحرب على الإرهاب وعانت كثيرا من هجمات الإرهابيين الذين هم من صناعة قوى خارجية لها مصالح جيوسياسية فى منطقة الاتحاد السوفيتى السابق ولا ترغب فى ظهور روسيا قوية من جديد ولها دور فى إدارة شؤون المجتمع الدولى، حيث كانت روسيا وتظل مستهدفة بالعمليات الإرهابية، وتفجير البيوت واستهداف الأبرياء فى المدارس ووسائل المواصلات العامة ودور الثقافة والفن ونقل العناصر الإرهابية من أفغانستان والمنطقة العربية كان بدعم من قوى اقليمية ودولية هى من صنعت الإرهاب من أجل استغلاله لتحقيق أهداف سياسية وتغيير أنظمة الحكم في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية.
ونوه الخبير المصرى فى الشأن الروسى إلى أن الإحصائيات الدقيقة تشير إلى تضاعف أعداد التنظيمات والجماعات الإرهابية وذلك يعود إلى تبني الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ما عرف بالفوضى الخلاقة، وتاريخيا معروف للجميع كيف تستغل واشنطن الإسلام السياسى والمتطرفين فى تحقيق مصالحها بمنطقة الشرق الأوسط إلى أن أصبح التطرف والإرهاب صناعة تنمو وتزدهر في ظل الفوضى وغياب الدولة، والحرب التي بدأت عام 2001 من أفغانستان، ثم انتقلت إلى العراق ثم سوريا وليبيا واليمن ومالي وتستهدف مصر، ومحاولات التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة إلى أن أصبح العالم اليوم أمام مشهد مروع وخطير يهدد السلم والأمن الدوليين.
وفى النهاية أكد الخبير أن روسيا لطالما دعت إلى تشكيل تخالف دولى حقيقى لمحاربة التطرف والإرهاب وعلى استعداد للتعاون مع كافة الأطراف في إطار من الاحترام المتبادل وميثاق الأمم المتحدة وصيانة سيادة الدول على أراضيها وأن تكون الشعوب وحدها من يقرر نظام الحكم بعيدا عن التدخلات الخارجية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة